في كل مرّة يكتشف عمكم الجوادي رضي الله عنه وأرضاه، أنه لا يواكب التطوّرات الدراماتيكية المتسارعة التي تحصل من حوله.
منذ أسبوعين تبيّن لي أنّ إحدى التلميذات في الساتيام، وفي آخر حصة شرح النص، لا تنجز تمرين الإنتاج الكتابي، فغضبت منها ونبّهتها بصوت مرتفع انه عليها أن تنجز المطلوب منها مثل بقية التلاميذ، فإذا صوت ياتي من آخر القسم، وإذا هو صوت تلميذتي سلمى ، وإذا هي تخاطبني بحرص دون ان تستأذنني في الكلام :
-سيدي، مريم عندها مشاكل في الدار ، وهي مريضة شوية، راعيها اليوم!
تفاجأت بتدخل سلمى تلميذتي المؤدبة المتفوّقة، وسالتها مستغربا :
- وما شأنك انت بها ؟هي قادرة على شرح موقفها بنفسها.
-هي الintime متاعي أجابتني جازمة،ولازم ندافع عليها.
ندت عني صرخة استغراب وتساءلت مثل ابله في عرس:
-أنها الأنتيم متاعك يخليك ترتكب مخالفتين ،تتكلمين بدون إذن، وتتدخلين في ما لا يعنيك؟ثمّ ما معنى الأنتيم!
هنا تحول القسم إلى سوق أسبوعية، كل التلاميذ يحاولون شرح اهمية الأنتيم ، وواجب الدفاع عنه ظالما او مظلوما.
- هل تقصدون بالأنتيم الصديق ؟ سالتهم؟
- لا سيدي اجابوني هو فوق مرتبة الصديق ودون مرتبة الcopain والboyfriend
-طيب ، طيب اجبتهم وأنا أدعوهم للعودة للنص حتى اداري جهلي وتخلّفي عن ركب الحضارة
ورجعت الى المنزل حزينا، فانا إلى هذا العمر المتقدم ليس لي ……intime
إنه موسم الوداع
أدخل القسم فإذا عيون التلاميذ شاخصة دامعة؟وأسأل : مالذي حصل؟
فيأتي الجواب: غدا حصّتنا الأخيرة معك ، فاتكلّف عدم الاهتمام وأصرخ فيهم: " ملاّ راحة منكم ، موش مصدّق العام وفى" فتقف تلميذتي ملكة وتحاول ان توجه لي الخطاب فيرتجّ عليها وتغادرالقاعة مسرعة حتى لا تفضحها دموعها ،فأضطرّ أن أتماسك وأتجلد وانا أحاول إقناعهم بان لكل بداية نهاية،واننا سنلتقي في السنة القادمة، وسيكون بعضهم من تلاميذي،ولكنني أعترف أنني في موسم الوداع هذا أعيش لحظات صعبة مفعمة بالشجن والحزن،فقد نسجت حصص التدريس وشائج وصلات عميقة بيني وبين هؤلاء التلاميذ يصعب فكها وتجاوزها، وبعضها لا ينفصم أبدا!
وسيكون والد ملكة مطالبا أن يزورني معها في منزلي حتى لا تغرق في الاكتئاب كم أخبرني !
يا إلاهي كيف تسربوا إلى دمنا وأرواحنا؟
قلت لتلميذتي ملكة بعد أن رن جرس منتصف نهار ذلك اليوم الحزين ، و رأيتها تتبعني إلى السيارة، لتودّعني للمرة الألف:
- مازلت في مقتبل العمر، يا ابنتي، ويجب أن تتعودي من الآن ألا يطحنك الوداع ويكسر قلبك،ويربك حياتك ، ففي النهاية ستودّعين كثيرا،ستودعين الجميع، بعضهم سيغادرك إلى الحياة والبعض الآخر سيغادرك إلى الموت،فتعوّدي ان تتجلّدي وان تتدخري دموعك ، وألا تسرفي في الحزن على أي كان!
ولكن ملكة غمغمت من بين دموعها: سيدي مستحيل نودّع واحد كيفك!
اغلقت الباب وشغلت المحرّك، ولا أعرف كيف انقضى يومي!
لا أسعد بأن يتألم فلذاتنا لوداع معلميهم !!!
اشفق على قلوبهم الغضّة…