مذكرات الطيب وهنيّة لوحة انسانية لن انساها أبدا

Photo

(لكم يوجعني هذا النص،الذي كنت انوي عدم نشره أبدا)

كانت هنية تكنس ساحة حوشنا بالفراحة،وهي تدندن بأغنية كافية شجية،حين انتصبت أمامها فجأة مثل الشيطان الرجيم،وقد تقرحت عيناي بالبكاء،وظهرت على ملامحي علامات الاحباط والأسى،فألقت بالفراحة وأسرعت إلي تحتضنني وتسألني بحنو :

-وشبيك الطيب ولدي،اشكون ضربك؟

-لا يمّة ما ضربني حدّ ،أجبتها وانا ألتصق بها أكثر فأكثر، محاولا الإمساك بدموعي.

-مالا وشبيك ،تبكي وليدي،ڤول ليمّك وشبيك؟

-لا يمة حتى شيء،حتى شيء،نبكي وحدي.

ولكن هنية أصرت ان تعرف سبب بكائي،فلم يكن بدّ ان أخبرها بالحقيقة:

مدرستنا قررت القيام برحلة إلى مدينة بنزرت،وعلى كل تلميذ احضار دينارين ثمن المشاركة،وأنا لم أسجل اسمي لأنني اعرف كم نحن فقراء ومعدمون ندت من هنية صرخة مكتومة :

-يا وليدي،ألفين؟فين موجودة بنزرت ،في فرانسا وإلا في الحج؟

قالت ذلك ثم ألقت بنفسها على الدكة الحجرية الملاصقة للحوش،وهي تضرب كفا بكفّ اما انا فقد اسرعت للنهر لا الوي على شيء ،ودموعي تنهمر مدرارا،يتجاذبني شعور رهيب بالمرارة والخزي ،فمن ناحية يعزّ عليّ ألا أشارك أقراني رحلتهم لهذه المدينة التي سمعت انها تقع بجانب البحر الذي لم يتح لي أبدا رؤيته مباشرة،ومن ناحية أخرى لم اكن ارغب ان اكلف هنية ما لا طاقة لها به،ولا ان أحزنها وأجعلها تشعر بالإحباط وما اسرع ما التحقت بي هنية إلى النهر ،لتطلب مني العودة الى البيت والالتحاق بها إلى الداخل وهناك فتحت صندوقها الخشبي ،وأخرجت من احدى الصرر دينارين ورقيين وسلمتهما لي طالبة مني ان اسجل اسمي في الرحلة ،وبعد ان صمتت قليلا ،همست في أذني :

-جيبلي شوية لوبان وحنة من بنزرت…

وشاركت في الرحلة وشاهدت البحر لأول مرة !!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات