بمناسبة ايام قرطاج السينمائية:السينما في ريفنا الكافي البعيد.

Photo

الجوادي ووالدته يحضران عرضا سينمائيا في الستينات!!

الذين سكنوا الريف في ذلك الزمن السحيق،في أواخر الستينات،لا شك يتذكرون جيدا ،تلك السيارة المزودة بمكبرات الصوت والتابعة لوزارة الثقافة ،والتي كانت تجوب "الدشر" و " الدواوير" لتعلن عن عرض شريط سينمائي على الساعة الثامنة ليلا في ساحة المستوصف !

لم يفهم أحد من دوارنا المقصود بالشريط السينمائي،ولكنني استطعت إقناع الوالدة بحضور العرض ،ارتدت الوالدة السفساري وتزينت بجميع حليها،وارتدى الوالد جبته وسرواله العربي وتدبرنا "سندالا"قديما لأخي الأصغر،واتجهنا صوب المستوصف .

حين وصلنا ,وجدنا العشرات من الفلاحين البؤساء ،نساء ورجالا وأطفالا ،وقد افترشوا الأرض قبالة حائط المستوصف في انتظار بداية العرض،جلست على الأرض بجانب الوالدة التي لم تكف عن تنبيهي بعدم الابتعاد عنها حتى لا يصيبني مكروه من "الشريط السينمائي"،فقد وقر في ذهنها،بعد أن تحدثت إلي الناجية بنت الكيلاني التي تشتغل خادمة عند أحد السراة في العاصمة،أن أبطال هذا الشريط من الممثلين هم من الجن و الشياطين!!

وبدأ العرض…

وكانت لحظة فارقة في حياتي !!!

انطلقت موسيقي الجينيريك ،فساد صمت القبور،واشرأبت الاعناق،وجف الريق في الحلوق،ووجفت القلوب!!أذكر أن الفلم كان من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف،وأذكر أن فاتن حمامة كانت تلبس لباسا غير محتشم بمقاييس ريفنا وكانت تبتسم وتقفز وتضاحك البطل ، بل وتجلس معه وحيدة في نفس الغرفة وقد وضعت ساقا على ساق، وكانت الوالدة تصرخ بصوت مكتوم موجهة كلامها للبطلة معتقدة أنها تسمعها:

- هبط كراعك يعطيها كسرة، الرجال يتفرجو!

وقد سبب سلوك البطلين صدمة لا يمكن تصورها،وتعقدت الأمور بشكل درامي عندما احتضن عمر الشريف فاتن حمامة وقبلها قبلة طويلة وضمها إليه وعبر لها عن حبّه وهيامه!

ولم يتأخر رد فعل الحاضرين .

النساء غطين وجوههن بالسفساري،والرجال أشاحوأ بوجوههم خجلا وغيظا في حين أغلق المنصف ولد عمي عينا وترك الاخرى مفتوحة على آخرها!

أما الوالدة فقد قرصتني بعنف من ذراعي،وطلبت مني أن أرافقها فورا إلى المنزل!
وما أن ابتعدت بي قليلا عن مكان العرض حتى راحت تكيل لي الشتائم وتصفعني بعنف وتصرخ في وجهي:

- يا ولد الحرام هذا الشريط اللي هازني ليه؟واش باش يقولوأ علي الناس؟

لم أحر جوابا ولم أعرف كيف أشرح لها الأمر واستسلمت لصفعاتها التي لا ترحم!!
ولم ينقذني من هذا الموقف إلا قدوم الوالد الذي نصحنا أن نحث الخطى في اتجاه منزل العائلة، فقد " تبلبز" العرض بعدما عمد بعض الشباب إلى رشق حائط المستوصف بالحجارة ثأرا للبطلة من إحدى الشخصيات الشريرة التي حاولت اختطافها!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات