بمجرد أن أكمل التروازيام، قرّر المنصف ولد عمّي ان يترك المدرسة للأبد .
ولم يفلح الجميع في ثنيه عن قراره، فقد كان مقتنعا أن المدرسة لن تمنحه أكثر مما حصّله منها،بعد أن أصبح قادرا على كتابة إسمه وتهجّي الحروف بسهولة كما أصبح بإمكانه أن يكتب رسالة لبورڤيبة شخصيا،كما أصبح قادرا أن يعدّ حتى المائتين مع انّ والده لم يكن يملك أكثر من مائة شاة في أفضل الظروف،وحتى إذا زاد القطيع على ذلك فسيكون بإمكانه ان يتدرّب على العدّ في أيّ وقت كما انه يحفظ ربع جزء عمّ ، وهذا كاف أن يشارك في " قراءة القرآن " على الموتى، والصلاة إذا " تاب عليه ربّي قبل الممات"!
لكلّ هذه الأسباب لم يتردد المنصف ولد عمّي في اتّخاذ القرار المصيري دون أن يطرف له جفن، فقد كان مولعا بخدمة الأرض والعناية بشويهاته ،والعزف على شباّبته ومطاردة صبايا قريتنا والقرى المجاورة وهو يركب حماره الأشهب ويدخّن سيجارته الحلّوزي ،،ويقارع دوّيخته كلّما وجد لها سبيلا ،،وكان يردّد أمامي باستمرار :أنا خلقت لأكون فلّاحا أخدم الأرض ، وسأعيش وأموت هنا في القرية ،أنت تريد أن تتعلّم وتمضي بعيدا في طلب العلم،لك ذلك، ولكن سنرى من سيكون أكثر سعادة عندما نكبر!
ومن أجل الظّفر بإحدى الصبايا لم يكن يتردّد أن يبذل من أجلها الغالي والنّفيس،فيسرق بطّانيّة مما ادّخرته والدته لأيّام البرد القاسية ليبيعها ويقتني لها هدايا متنوّعة :لوبان وشاميّة وحلقوم،وشلاكة بوصبع و"ريحة كونوليا"ومريول فضيلة، وربّما سطا على خروف من خرفان والده إذا كانت فتاته فائقة الحسن شديدة التمنّع .
فلم يكن يرضى أن تغلبه أنثى على أمره،وكان ذلك يسبّب له وللعائلة مشاكل جمّة ،لا حصر لها ،ولكنّه لم يكن يبالي،وكان يردد امامي باستمرار: " وحده الوجه الجميل يستحقّ أن أبذل فيه كل شيء، حتى حماري الأشهب".