كتبت في الجزء الثاني من سيرة الطيب ولد هنيّة ،عن هذه التجربة الفظيعة التي عشناها بعدما انتقلنا بالسّكن إلى العاصمة،حيث عمد أحد إخوتي إلى الحرقة مرّتين ،
فشل في المحاولة الأولى ونجح في الثانية،وقد أذاقتنا هنيّة العلقم،وجعلت حياتنا جحيما ،وأصرّت لأكثر من أسبوع أن نرافقها لشاطئ ڤمرت لتتوسّل للبحر أن "يرجعلها كبيدتها".
ماذا أقول:الحرقة عمل انتحاري أحمق ،إذ فيه مقامرة غير محسوبة بالحياة:إمّا كلّ شيء أو لاشيء
والضحيّة الحقيقية هي العائلة،وبالخصوص الأمّ المسكينة.
ومن لم يعش هذه التجربة مع أحد أفراد عائلته ،لا يمكن له أن يقدّر هول المأساة وتداعياتها الدرامية تقديرا موضوعيا. أخي نجا من الموت في المحاولة الأولى ولم نعرف أنه نجا إلا بعد اربعة أيام ،تركنا فيها أعمالنا وأطفالنا وحياتنا،لنخصص وقتنا إمّا لنقل هنيّة للاستعجالي كلّ ساعة ،بعد ان امتنعت عن الأكل والشّرب ،وفقدت الوعي مرات كثيرة ،أو تنسّم الأخبار من مخافر البوليس والمستشفيات وبعض الناجين،
ولم نعد إلى الحياة إلاّ بعد أن تمّ إعلامنا أنه ضمن الناجين،وبعد أسبوعين من نجاته أعاد الكرّة مرّة أخرى ونجح في الوصول لأوروبا،وتلك قصة أخرى.
كان ذلك في بداية التسعينات،،،
الحرقة كارثة وطنيّة ومأساة إنسانية،لن تتوقف أبدا مهما بلغ عدد الضحايا ولا حول ولا قوّة إلا بالله.