لقد سقطتَ جسدًا مآلُه الفناءُ مهما بلغ بك العمرُ. لكنّك رُفعتَ عاليًا روحا طاهرة نقيّة وضميرا صاحيًا متوقّدًا مسكونًا بإرادة وعزيمة وانخراط في قضيّة أمّة فرّط فيها من فرّط وظلّ فيها على العهد من ظلّ.
أيّها الفتى النّاعمُ الغضّ،
لقد شرّفتَ بموتك من أجل أشدّ قضايانا قداسةً وطنًا من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. فلتقبلْ أصدق تحاياي وقد التحقتَ بإذن اللّه بقافلة الشّهداء الطّويلة العريضة المتتابع أفرادُها على درب القدس وغزّة الأبيّة التي وإن انحنى الإخوةُ فإنّها ظلّت واقفةً رغم رشقات العدوّ والصّديق التي لا تنقطع.
أيّها الفتى الصّغيرُ الحاملُ رسالةً عظيمةً استكثرتَ بسببها على نفسك ملابسَ العيد تضامنا مع إخوةٍ يُسامون الموتَ ألوانًا ويُحرمون أدنى أسباب الحياة،
لستُ معنيّا بانتمائكَ الفكريّ، فما أنا من الآخذين شعبًا إليه يمزّقون به رباطَه ويفتّتون وحدته. وإنّما يهمّني أنّك فنّدت قناعة عشّشتْ في الأذهان مفادها أنّ شبابنا يعيش خارج دائرة قضاياه القريبة والبعيدة في جامعةٍ فقدت بريقها الذي كان وانحدرت إلى مهوًى سحيق علما ومعرفة ووعيا.
أيّها البطل الذي حيّانا بك إخوةُ الأرض المحروقة بأسلحة أمريكا المسكونة حتّى اليوم بسلوكها مع الهنود الحمر تبني على جثثهم كيانها المحكومَ بلوبي صهيونيّ ضارب الجذور: أهنّئك برباطة والدٍ قالها وقد استدعت الأبوّةُ فيه دُميعاتٍ لا بدّ منها بلهجة تونسيّة صميمة: "صَحّه ليه.. صحّه ليه.. بْعثتو بَحذا إخْوْتو".. فما أنت سوى شبلٍ من ذاك الأسد.
أيّها الرّافع رؤوسَنا عاليةً أمام أحرار العالم،
لن تنطفئ القضيّة رغم وافر محاولات الطّمس والإبادة، فهي فكرةٌ، والفكرةُ لا تقتلها أكثر الأسلحة تطوّرًا وأشدّ أساليب الخذلان صَفاقةً.
رحمك الله وتقبّلك شهيدًا مغفورًا له ما تقدّم وتأخّر من ذنوبِ دنيا فانيةٍ نموت فيها موتَ البعير بعد لُهاث وراء سفاسفِ حياةٍ حقيرةٍ نلخّصها في إشباع حاجات حيوانيّة وضيعة…
لقد رَفعتَ ورُفعتَ، فهنيئا لك ميتة الأبطال تضخّ بها في نفوس من تبقّى من أهل غزّة إيمانًا بشرعيّة طوفانهم وما تَلا طوفانَهم من بطولاتٍ تحتاج تثبيتًا لا تثبيطا يأتيه شيوخ السّلطان العربيّ أصحابُ اللّحيّ الأجدر بأن تُرمى علفًا للحمير، ويمارسه ذوو ربطات العنُق التي منها يُقادون.