رحم الله الرّاحل المغدور ياسر عرفات صاحب عبارة "شعب الجبّارين"… لقد أصاب في التّسمية أيّما إصابة، فالدّروس تَترى قادمةً إلينا من هناك لتؤكّد نعتَه الذي لم يخبْ ولتزيد في كَمّ خذلاننا وتواطئنا، نحن المدعوّين إخوتَهم، مع العدوّ سرّا وعلانيةً.
لا أُخفي أنّ الأرض اهتزّت من تحتي وأنا أتابع مع ساكنة المعمورة أبًا يؤمّ صلاة جنازة أبنائه السّتّة الذين دكّ الكيان المتوحّش الذي تلقّى الضّوء الأخضر من مجنون البيت الأسود الأمريكيّ سيّارتهم الخيريّة دون أدنى درجات الإنسانيّة وأقلّ مظاهر شرف المعارك بطيرانه وأسلحته الأمريكيّة الفتّاكة وقلبه المظلمِ حالكِ السّواد…
مشهدٌ مَهيب وقفتُ أمامه مشدوها أنا الذي يطلب خشوعا في صلاته فلا يُدركه: شيخُ يقف ثابتا مع الله أمام ستّة أكياس تحمل فلذات أكباده المجنزَرين بآلة الموت الوحشيّة الجهنّميّة الصّهيونيّة العمياء المتعامية يشدّ منه الجسدَ والرّوحَ إيمانٌ عميقٌ بقضاء الخالق وقدَره وفهمٌ جَليٌّ واضحٌ لما جاء في كتاب الله الذي لا أتجاوز في قراءته رأيَ العين.
للّه ما أعظم شعبا عمّر صغيرُه وكبيرُه، رجُله وامرأتُه صدرَه بقرآن السّماوات والأرض، فأضحى عنده الموتُ شرفًا لا يُقدّر بثمن، وتنافست أسَرُه في تقديم أفرادها قرابينَ على معبد وطنٍ خذلتْه جيوشٌ عربيّة شُرَطيّة تنعم بالنّياشين والأموال فتنتفخ في ضبّاطها البطونُ والمؤخّرات والأوداج والحسابات البنكيّة.
للّه ما أشدّ رباطة جأش شعبِ تلك المُضغةِ الجغرافيّة التي صدقتْ ما عاهدت الله عليه، وظلّت منفردةً تقدّم لنا أمثلة حقيقيّة في الشّرف والشّهامة والتّعلّق بالأرض والعِرض والجهاد الذي هو سَنام دينٍ دُسنا جهلا وخوفا وتجاهلا على أدنى ما يطلبه منّا فانبطحنا شعوبا وحكّاما منذ عقود بل انضمّ بعضنا بكلّ وقاحة الأوّلين والآخرين إلى معسكر العدوّ يضخّ له المال ويزوّده بالسّلاح ويسخّر له النّظُم الاستخباراتيّة التّقليديّة والحديثة…
للّه درّك أيّها الأبُ الفاضح بصبرك الأيّوبيّ وعقيدتك الثّابتة عارَنا الموزونَ أطنانًا وجنوحَنا لشهوات النّفس نعيش بها ولها حتّى نموت ميتة البِطنة التي تموتها الدّوابّ على مرابضها !