عن قناة الحوار التونسي: من الاستقصاء الصحفي إلى تلفزة الزبالة

Photo

من حيث المبدأ، أنت تنطلق من فرضية لإثباتها أو نفيها لأهداف ذات مصلحة عامة: لنقل إن الفرضية في عمل قناة الحوار التونسي هي فساد منظومة اللحوم في تونس، لكن هذه فرضية عامة وسطحية، عائمة لا يمكن أن تنطبق على كل المسالخ وكل اللحوم في تونس، فرضية شعبوية تنقصها دقة المهنية الصحفية.

أنت تتهم من بالضبط، هل تتهم المنظومة كلها أم أشخاصا منفردين فيها مثلا أو أماكن معينة، هل تستهدف فرضيتك تداخلا بين السياسي والإداري والمهني ؟ ثم لنعد إلى أصل الفرضية، ماذا يمثل فساد مسلخ أو أثنين أو عشرة أو كل المسالخ دون أن تنطلق أولا، من إحصائيات حول عدد المسالخ الرسمية ومقارنتها بحجم الاستهلاك الوطني للحوم، وعدد البياطرة المراقبين وإمكانيات العمل، والخروج بنتائج علمية لتبرير الفرضية الأصلية، مع شهادات مثلا حول عجز الإمكانيات الحالية عن المراقبة الشاملة أو فسادها، لتحديد مكان وحجم الثغرة التي ستنفذ منها في عملك الاستقصائي لإثبات فرضية فساد المنظومة.

إن الصور الصادمة الملونة صناعيا والمحركة عمدا في أشكال فنية بدائية لإحداث الرجة تفقد معناها تماما، في مرافقة نص أدبي غير صحفي لا يتضمن أرقاما يمكن الوثوق بها، ولا تواريخ ثابتة لوقت التسجيل وأسئلة لا علاقة لها بالفرضية الأصلية، كلها من شأنها أن تعيدنا إلى التناول السطحي الشعبوي المثير الذي يؤدي إلى تناول درامي للموضوع، يحدث صدمة عاطفية، لكنه يخلف نتائج مزاجية غير عقلانية، تؤدي إلى التعميم.

ثم سريعا ما تنسى بأحداث أخرى تظاهيها في الدرامية، في انتظار الدراما الموالية المنسوبة خطأ إلى صحافة الاستقصاء، تماما، في الشأن الذي اختصت فيه قناة الحوار التونسي موضوعا وأسلوبا: استدرار الدموع بالمآسي العاطفية والإثارة والتلصص على الحياة الحميمية.

وقد اتفق نقاد الظواهر التلفزية التي سبقتنا في تسمية هذا العمل على أنه trash TV تلفزة الزبالة، وذلك في سنوات التسعين، ويؤلمني أن نتولى رسكلة زبالة التلفزات التجارية الأمريكية في تونس باسم الصحافة.

برقية مزيفة: حتى تفوت موجة الصدمة الأولى

هذا وأعلنت وكالات الأنباء عن فرمان حكومي باعتماد قناة الحوار التونسي دون غيرها من وسائل الإعلام مصدرا أساسيا ورسميا وملزما للحكومة التونسية في تبين حقيقة الفساد، رغم ما ذكر به قضاة كثيرون من أدلة فساد واضحة في تقارير دائرة المحاسبات، تسلمتها الرئاسات الثلاث المستقلة في تقارير رسمية، وشمل الفرمان تنبيها بعدم الاهتمام بأي مصدر آخر من مصادر كشف الفساد، حتى إن كان من إدارات الدولة نفسها، وقال مصدر قضائي مزيف أنه على كل المبلغين والمنتمين إلى هيئات قضائية أو إدارية أو خاصة أن يمروا حتما ببرامج قناة الحوار التونسي للتبليغ عن حالات الفساد، وأن ذلك يشمل أيضا وسائل الإعلام العمومية والخاصة التي عليها أن تقترح مادتها الإعلامية على قناة الحوار التونسي لمنحها تأشيرة النشر والاهتمام الحكومي.

هذا وذكرت مصادر غير موثوق بها أن جماعة الفساد في المستشفيات العمومية يموتون من الضحك بسبب إجراءات الحكومة، وبعض الخبثاء منهم، يظنون أنها مسألة وقت لا غير حتى تفوت موجة الصدمة الأولى لتحويل المأساة إلى إثارة إعلامية ممنهجة ومجرد مادة درامية مثل بكائيات المسلسلات التركية دون طرح الأسئلة الحقيقية، وأنه يمكن، في النهاية شراء قناة الحوار التونسي كما وقع سابقا في بيع رأس مالها وتغيير مالكها مرارا وسجن أحدهم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات