"سي الطيب"، ينطلق صباحا مخالفا كل القوانين السارية بحثا عما إذا كانت ثمة دولة، بما أنه "سي الطيب" سوف يمتطي سيارته، يحرق الأولوية في أول مفترق طريق، تزمير لا غير لكنه يمضي، يجد صفا طويلا من السيارات في أول مفترق طرقات ذي اتجاهين منفصلين، يسير في الاتجاه المعاكس فيعاين أول القيم الحقيقية: الآخرون خوافون جبناء لا يهمهم سوى المضي في حوائجهم: رغم الشتائم والتزمير تركوه يمر.
وصل المفترق الأول حيث يتقاتل السواق في غياب البوليسية، هي مسألة عياقة وصحة رقعة وقلة حياء: كان جاهزا لها فمر، الوقت من ذهب: ربح وقت الانتظار وراء أكثر من عشرين سيارة باستثمار وحيد: العياقة، فحمد الله لأن قلة الحياء تنفع وأن الدولة لا تعاقب على ذلك.
المفترق الموالي في مدخل الطريق السريعة، ثمة عون أمن مشغول بالهاتف، واثنان بعيدان، وثالث ينظر إليه. قديما كان يدعي لهم أنه زميل كن الوضع اليوم لا يحتاج إلى ذلك. رمى بسيارته وسط الحشد، رأى العون أن المشاكل المترتبة عن إيقاف "سي الطيب" أكبر من تركه يمر، قال له: بالشوية، اصبر"، ثم مر قبل الجميع،
الباقي كان مسألة قلة حياء لا غير: راوغ كل السيارات يمينا ويسارا، قطع نصف طريق محمد الخامس في الاتجاه المعاكس، حاول عون أمن إيقافه لكنه راوغه ومر في الممنوع "هي ثمة دولة أصلا ؟". دخل في اتجاهات ممنوعة حيث لم يعد التزمير ولا الشتائم تعني له شيئا،
قديما، كانت عبارة "يا حيوان" تزعجه، أما اليوم فهي تعني قضاء حوائجه قبل الآخرين. ترك سيارته أمام المقهى اليومي في قلب الطريق وتجاهل كل السباب والشتائم، يعرف أنه لا أحد يجرؤ على لمسها: "زمر حتى يتكسر رأسك، لن يأتي البوليسية، هم مشغولون بمكافحة الإرهاب"، أخيرا، ترك سيارته تحت نافذة مكتب عمله وهي تغلق أكثر من نصف الطريق، دفع دينارا ونصف لحارس المنطقة المحررة الذي كرر له: ما تخافش، أنا هو الدولة".
في العاشرة ونصف يذهب إلى مركز البريد القريب على قدميه فيسأل كل الزملاء عن معرفة هناك لكنه لا يجد شيئا "مش مشكل"، يجد صفا فيبحث بعينيه عن موظف يعرفه، "حومة، أنا زميل مغصور جيت من الكاف، ماني خوك…"
لا يدخر قصص الكذب وعبارات المديح والنفاق، يقضي شأنه قبل الصف، قبل أن يعود إلى العمل يمر بمقهى الزملاء حتى الربع ساعة الأخير لما قبل حصة العمل الأولى، ملا نهار، أجمل ما فيه أنه بلا دولة،