أيا كانت الظروف، يفترض أن نترك الله بعيدا عن التوسل للانتصار في كرة القدم. أصلا: أية مصلحة لله في انتصار فريق كرة القدم التونسي طالما لم يحمل اسم "فريق الله"؟
الله لم ينزل لنا آية توضح لنا العلاقة السليمة مع الكرة ولا مع دولة الفيفا، لكني متأكد أن الملائكة تغضب ولا تحضر محضرا يرفع فيه الناس لاعبي الكرة إلى مصاف آلهة الوثنيين في اليونان، حيث يضرب الواحد منهم ميزانية نصف شعب تونس مقابل عقد واحد دون أن يقدم للبشرية سوى تسعين دقيقة من التوتر والعصبية والعنف. مع من سيكون الله وقتها ؟
أنا من الذين يرون أن الله ليس رئيس منطقة ولا معتمدا حتى يتم التوسل إليه بطرق بائسة لنصر فريقنا أو استرضاؤه برشوة عبادة. حسنا: العلمانيون والحداثيون والشيوعيون والفوضيون ليس لهم الحق في الحديث عن الله إذ يفترض أن الله لا يحب من لا يعرفونه إلا ليلة الرعد ووقت المصلحة، أما المؤمنون وذوو الأخلاق الحميدة، فلا يمكن أن يضعوا، لأسباب عقائدية صرف، انتصار الفريق القومي (العصبية) في أول قائمة طلباتهم الطويلة إلى الله التي يجب، أخلاقيا، أن تبدأ بالقدس ثم غزة ثم بقية المقدسات، ثم مسلمي ميانمار، ثم مسلمي الدول الإسلامية في محنهم المزيفة والحقيقية، في النهاية: يتقدمون باتجاه الكرة بقدر ما يتنازلون عن إسلامهم،
ثم إن استحضار الله للنصر في الكرة يطرح إشكالا عقائديا كبيرا حين يتعلق الأمر بالشأن المحلي مثلا: هل يقف الله مع الترجي أم مع الإفريقي ولماذا لا يكون الله نصيرا لفريق المحراث الرياضي بضبوط القردة طالما أننا حشرنا الذات الإلهية في الكرة ؟ ثم لماذا يعتقد الأرجنتينيون أن مارادونا سجل هدفا في مرمى بريطانيا العظمى بيد إلاهية انتقاما من غزو بريطانيا لجزر الفولكلاند،
عمليا، أفضل عاصمة إسلام في العالم هي لندن (اسألوا الشيخ راشد الغنوشي وإخوته في الغربة)، عمليا في نظر الله أيضا: الشعب البريطاني من أكثر شعوب الأرض تبرعا (صدقة) وأعمالا خيرية، ونحن من أكثر شعوب الله تهربا من أداء الواجب، فما بالك بالتبرع أو الصدقة، لندن من أنظف عواصم العالم، وتونس من أقذرها، وأكثرها فسادا ورشوة وفوضى، فلماذا نريد الاحتيال على الله ؟