في مراهقتي كان عندي صديق ثانوي طريف وحبّوب، أصبح عام 1992 بفعل أحداث الصدفة محافظ شرطة في أحد أكثر أحياء العاصمة انحرافا بعد أربع سنوات في الكامبيس التعيس، كنت أذهب إليه بحثا عن قصص إنسانية صحفية في عالم الإجرام،
تركني في مكتبه وخرج على عجل، قلقت فخرجت، ثمة هرج وفوضى وصفان من الناس أمام باب المركز حتى الحجابة وأكثر من عشرة بوليسية بالزي المدني وضرب وعنف، وقفت أتأمل المشهد مطمئنا إلى أني صاحب سيد السلطة في المكان إلى أن جاءني "شلبوق" حقيقي ومفاجئ، معوج أنما مروع كأنه ضربني بمطرقة: "شد رب الصف، انظم لا نظملك أسنانك في فمك"،
تفقدت صلوحية فكي، العنف ليس جسديا فقط، القهر موقف: حين ترى أن كل موازين القوى ومنها القدرة على الإقناع ضدك، صاحب الشلبوق ذو 190 سم وقرابة 100 كيلو ويده الذي ضربني بها تشبه خف الجمل في حجمها. الشلبوق المعوج أدى إلى اختلاط سيول الأنف بالدم وريق الفم والأفكار النيرة والقدرة على الدفاع عن النفس أو الأقناع،
كنت ما أزال مذهولا حين عاجلني بركلة ما زلت أشكو آلامها في الحوض كل شتاء إلى اليوم: "قلت لك انظم للصف"، عبثا تحاول إقناعه "أنك خاطي"، أنظممت للصف طبعا، "حضّر بطاقة التعريف"، حضرتها، "راني خاطي"، قبل أن أتمها تلحقني في الصف لكمة على القفا نهائية، أوكي سيدي. عندما عاد صديقي الحبوب، صاحب الفرد، محافظ الشرطة وسيد المكان ورآني واقفا في الصف بدمي في فمي وأنفي، كان يضحك حتى أمسك بطنه واتكأ على الحائط،
قال الغوريلا الذي ضربني باسم النظام العام دون أي مشاعر ذنب: "نورمال صاحبي، جيت في الصدافة، عندي بيك بونتو أنا ؟"، أوكي سيدي، كل ما أريده هو أن أغادر هذا الوطن الكئيب، حتى لا أنظم تحت نظامك البدائي، إلا أني فشلت في كل محاولات الهرب من الوطن حتى تزوجت، إذ لم أحصل على وثائق هوية في بر تونس إلا عام 2000، ولم أحصل على جواز السفر إلا عام 2001، عندما أصبحت أبا،