بملء الفم: شكرا للإعلام العمومي، شكرا لكل هؤلاء

Photo

هنأني أصدقاء كثيرون هنا، بظهور اسمي في قائمة تسوية الوضعيات في إذاعة تونس الثقافية، بصفتي محلل أخبار، وهو فخر حقيقي أعرف اليوم معناه بعد قرابة 28 عاما من العمل في مهنة الصحافة منها ربع قرن حقيقي في القطاع الخاص.

أحسست بارتباك طفيف، سريعا ما انكشف عن مشاعر العرفان بالجميل للكثير من الأصدقاء. أيا كانت أهمية الحدث، عادت بي الذكرى إلى صباح يوم عمل عادي في جريدة الشروق في مقرها القديم، في نهج الشام عام 1991، دخل الراحل المرحوم صلاح الدين العامري قاعة التحرير، تحدث عن أشياء كثيرة ختمها بنظرته الثاقبة لي: "هنيئا يا (...)، تم ترسيمك ضمن صحفيي الشروق"، كان عمري 24 عاما وكان لي عامان في الشروق وشيئا يشبه العام قبلها في جريدة الصحافة ندمت على مغادرتها بقية عمري،

وكنت قد تدربت على يديه ويدي الأستاذ حسن حمادة، كان ذلك في وقته فخرا، أصبح أجري الشهري 277 دينارا، أعطيت ربع قرن من عمري لجريدة الشروق، قضيت أغلبها في العمل الميداني، ربع قرن من الضغوطات اليومية عندما كان كل صحفي مطالبا بمقالين طويلين وأخبار قصيرة يوميا، صحفي في الشروق يعوض عمل ثلاثة أو أربعة في القطاع العام وحتى في مؤسسات منافسة خاصة، كان علينا أن نعد مقالات ميتة تنشر في غيابنا للحصول على الإجازة السنوية ولا أرى أننا سنسامحهم على ذلك أبدا،

استنزاف يومي أدّي ببعضنا إلى الانهيار العصبي، كثيرون هربوا إلى عوالم أفضل، لا أدري لم بقينا، حين جاءتنا فرص الفرار من تلك المحرقة اليومية التي مرّ بها عدد لا يحصى من الصحفيين، إنما، أيا كانت الأحوال، اخترعنا طرقا طريفة لمقاومة الضغوطات القاتلة والضرب تحت الحزام والمعارك الجانبية، وبقينا أحياء، كان يمكن اعتبار ذلك الجيل من صحفيي الشروق كائنات غير قابلة للقتل، قادرة على البقاء والتأقلم في أصعب الظروف المهنية، رغم الأجور المتدنية، إلا أني عجزت عن التأقلم مع ما حدث بعد الثورة في جريدة الشروق،

عندما غادرتها مطرودا في 2014 لأسباب ليس هنا مجالها، كنت على حافة الإنهيار العصبي، الجلطة الدماغية عافاكم الله وكان أجري الشهري يدفع إلى الاكتئاب وكنت لأول مرة في حياتي بلا رؤية لأسباب يمكن فهمها بالعودة إلى نوعية التغطية الإعلامية بعد الثورة، إنما قيّض الله لي من يفتح لي قبل ذلك بأشهر باب الإعلام العمومي، متعاونا خارجيا، لم يكن من السهل الانتقال من الصحافة المكتوبة إلى الارتجال السمعي وكان علي إعادة اختراع طقوس العمل والتعلم مرة أخرى،

اشتغلت صحفيا حرا مع التلفزة العمومية، ومع عدة تلفزات خارج تونس، إنما نشأ بيني وبين الإعلام العمومي بصفة عامة وإذاعة الثقافة بصفة خاصة حب ناضج رغم الصيغة الهشة، أنا مدين فيه لعدد كبير من الأشخاص، عندما أدخل استوديو 6، أجد قبلي دكاترة ومثقفين فأعيد ترتيب أشيائي لكي أرتقي بمستوى ما سأفتح فمي به، لا أحب أن أترك الاستوديو لدكاترة ومثقفين أجلاء بذكريات كلام سطحي بذيء، إنها إذاعة تونس الثقافية يا سيدي،

سأحيي من وثق بي في نقابة الصحفيين، وفي نقابة الإعلام، وفي أماكن أخرى، إنما أحب أن أحيي زميلاتي العزيزات في إذاعة تونس الثقافية، فاطمة الرزقي، نزيهة الزارعي، العزيزة البعيدة زكية المنصوري (في مدغشقر مع زوجها الذي أصبح صديقا)، هدى الحاج قاسم، أساسا عمر بريمة، مدير الإذاعة الذي اعتبرني عنصرا قارا في البرنامج، أما زملائي من الرجال، فهذه مسائل نتحدث فيها معا، هم يعرفون ذلك،

أنا مدين في نجاتي من الجلطة واكتئاب الإعلام الخاص للإعلام العمومي، أنا اليوم أكثر اقتناعا أن أمل الإعلام في تونس هو الإعلام العمومي وأنه يملك كل ما هو مطلوب للقيام بدوره الطبيعي، أرجو أن أوفق فيه، شكرا لكل من وثق بي،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات