أحد وجوه مأساة فشل الصحافة في تونس هم الدخلاء والهواة، منذ أكثر من نصف قرن، اعتبر منظرو الصحافة مثلا أن دفع المال أو أي شكل من أشكال الإغراء أو الخداع مقابل الشهادات أو الوثائق يطعن في صدقيتها،
نحن جربنا في الصحافة أن التلويح بالمكافأة مقابل الشهادة يشبه انتزاع الاعترافات تحت التعذيب: كلاهما سوف يعطيك ما يعتقد أنك ترغب به وليس الحقيقة بالضرورة، شراء الوثائق السرية وحتى العثور عليها صدفة ليس عملا صحفيا بل عمل جواسيس وهذيان أفلام أكشن، لأن مهنة الصحافة تقوم أساسا على "إعطاء معنى" للوثيقة وليس صدم الناس بها،
الهواة والمغامرون العاجزون عن تركيب جملة مفيدة بأية لغة لإعطاء معنى لأي شيء، ممن يعتقدون أنه في مقدورهم أن يتحولوا إلى صحفيين كبار في الغد موجودون في كل المجتمعات وهم أكثر خطرا على الحقيقة من أعدائها التقليديين، لأن عندهم القدرة على الرفس فوق الأدلة والحقائق إلى درجة خلطها بالأوهام وسيناريوهات أفلام الأكشن،
لكن هذا ليس ذنبهم، بل ذنب من شغلهم، من عول عليهم في إطار "من قلة الخيل أسرجوا الكلاب"، ومن معرفتهم بالرجال، يعرفون بوسعدية، لذلك لا تعاقب قوانين الصحافة في العالم كله الصحفي ولا مدعي الصحافة، بل من نشرها أو بثها، إذ لولاه، لما ظهرت تلك الحماقات للعموم،
أسئلة لن يجيب عنها أحد
أهم شيء في خبر العثور على مخبأ أسلحة في سيدي بوزيد هي هوية صاحب المخبأ وعلاقاته السياسية وبمن في الدولة، وهي أسئلة لن يجيب عنها أحد لأن الجواب عيب ومحرج،
ثم إنه سوف يضع حدا للكثير من الأوهام التي يتم ترويجها عمدا في برّ تونس حول الإرهاب وعلاقته بالدولة العميقة وبالتهريب والرشوة والتبوريب والإفلات من العقاب وصناعة القرار، تحب تولي صحافي كبير ؟ كبش هنا، وتتبع شبكة العلاقات غير الأخلاقية بين الفساد المالي والسياسي والإرهاب، واحم حياتك قبل كل شيء، فأنت رأس المال الأصلي والوحيد،