في عزاء صديقي اللدود نور الدين العلوي في عودته إلى الجنوب
قديما صنعت لنا البورجوازية المزيفة عقدة الريف "أنت من الكيييف ؟ (الكاف )زيرو ويت من جندوبة ؟ كا جي بي من باجة ؟، ثم اخترعوا تلك المسرحية الأكثر بذاءة في تاريخ تونس للسخرية من الريفيين "الماريشال"، ببطولة ريفي قادم من الدهماني (ريف الكاف)، بعدها أصبحت السخرية من الريفي في بر تونس واحتقاره رياضة وطنية، عملا فنيا في الكوميديا والدراما والسياسة، "ها التوكابري ها" البدوي الأحمق،
كان ذلك نتيجة جراحات البورجوازية الوطنية التي توارثتها من الغزاة الأتراك والانكشارية والخصيان الذين حكموهم ثم حثالة الفرنسيين، فيما كنا نحن، في ريفنا الجميل ننعم بالسلم والأمن والشبع والاكتفاء الذاتي، لم نحتج إليهم حتى اكتشفوا بعد رحيل الغزاة إلى أنهم بحاجة إلى صورة "البلجيكي الغبيّ لكي يحس الفرنسيون بالتفوق"، طمسوا كل ما في الريف من قيم إنسانية عريقة،
الكاتب الكولمبي الشهير ماركيز كتب يوما مقالا عنوانه "الريف، ذلك المكان الرهيب حيث تمشى الدجاجات نيئة" لكي يتحدث عن فظاعات تحويل الريف والحياة التقليدية في المجتمعات الحديثة إلى صورة بائسة، وأنا رأيت من أطفال أهلي من يعتقد أن الماقرونة نبات مثل الجلبانة، حتى أنه حين رأى دجاجة في بيت أمي في سد وادي ملاق لاحقها "جرمانتي جرمانتي"،
واعتذرت أمه بأن ابنها لم ير في حياته الطفولية "البورجوازية" دجاجة حية أبدا، ولا يعرف سوى الطيور في برنامج القنوات الوثائقية حيث تفسر له، لكي تتخلص منه، أن كل طير هو جرمانة، مثل لعبة البلاستيك الصفراء التي يستحم معها،
لقد عملوا بمنهجية خبيثة على تحويل الريف إلى مصدر للخادمات وعمال المصانع والعاهرات والإرهابيين، وذلك بتحقير الإنتاج الفلاحي، دعم اقتصاد السمسرة والمضاربة والتجارة الموازية والعقارات والربح السريع والقروض المسمومة والسياحة على حساب الفلاحة، حتى أن كل ديون الفلاحين تساوي أقل من 1/28 من ديون النزل،
أصبح العيش في المحيط الفلاحي رمزا للفقر والضنى والشقاء والموت عطشا، نشأنا في زمن كان امتلاك عشرة هكتارات مجدا واكتفاء وغنى عن العالم والدولة، ووصلنا إلى زمن أصبح فيه ذلك أقل دخلا من عمال الحضائر، يسكب الفلاحون حليبهم في الأودية، الطماطم والبصل وغيره على قارعة الطرقات خضوعا لمافيات المضاربة والتخزين،
هل انتهت تصفية الحساب بين البورجوازية القذرة والريف ؟ لا، لذلك سنأكل من الصين قريبا، حتى الكاكي القذر،