من المؤلم لشخص مثلي قضى ثلاث سنوات في سجون الوطن أن يرى مواطنا يذهب إلى السجن حتى إن كان برهان بسيس، ما زلت أتذكر صدمة اللحظات الأولى للذهول في غرفة الصغار في سجن الكاف جانفي 1986، كان عمري 18 عاما وشيئا قليلا: "من المعهد إلى السجن المطول"،
لحظات عنيفة مع أعنف وأسوأ ما ثمة في "صغار المنحرفين"، المذاق المعدني لأكلة القاميلة، حيرة الأسئلة: "أين أنا يا الله يا حبيب الأطفال ؟" لم يتعاطف معي ولا مع أكثر ثلاثين تلميذا من بوسالم وبلطة حكموا علينا جميعا بخمسة أعوام سجنا،
برهان بسيس يحظى اليوم بكل الأسئلة حول مبررات إيقافه هو دون غيره من كبار اللصوص والمطلوبين للقضاء، وعما إذا كان ممكنا العفو الرئاسي عنه، سوف يحظى برهان بسيس بمعاملة خاصة في السجن الوطني، هذا مؤكد، لن ينزل إلى حد تناول أكل القاميلة، وهو ما لم يحظ به شباب ما بعد الثورة، وقد لا يقضي شيئا يستحق الألم من العقوبة وفي أسوأ الحالات لن يقضي أكثر من نصفها، تلك العدالة التي طالما سخر منها في ملكوت السلطة الإعلامية المزيفة،
تستطيع أن تتضامن مع برهان بسيس دون أن تطعن في العدالة، تستطيع أن تذهب إلى أبعد من ذلك: تدبر عشرة أو عشرين ألف دينار لفريق من أكابر المحامين للطعن في الحكم لدى التعقيب، تستطيع أن تفعل مثل العجمي الوريمي: الضغط لطلب العفو الرئاسي له، رغم أن آخر وجبة في الحرية ما تزال في بطنه،
لكن لا تنس أن برهان حظي بما لم يحظ به غيره من الشباب المطلوب للقضاء بعد تحرير القضاء: كان في حالة سراح منذ انطلاق الدعوى ونال كل شروط المحاكمة العادلة ابتداء واستئنافا، أما أن تذكر لنا قائمة كبار المجرمين واللصوص الذي ما يزالون بحالة سراح أمام أنظار الجميع، فتلك قصة أخرى وليست مبررا ولا قاعدة للإفلات من العقاب،