خيبة الأدب في تونس: عن كتاب طبع تحت تدابير النحس السيئة

Photo

تعالوا أحدثكم عن خيبة الأدب في تونس: عن كتاب طبع تحت تدابير النحس السيئة، عندي غصة خفية في القلب بسبب تقاسم عدد قليل من أصدقائي صورة عن كتابي الثاني "كاليتيم... على آخر بيت مضاء" على أساس أنه إصدار جديد، رغم أنه طبع في مارس 2017، وسأتذكر هذا الكتاب على أنه الشيء الذي كتبته ولم أحصل منه حتى على نسخة يتيمة كما في العنوان، من الناشر.

الأكثر فظاعة من ذلك أن الكتاب لم يصل إلى معرض الكتاب إلا في النصف الثاني من آخر يوم من المعرض، عندما كان الناشرون يجمعون ما لم ينجحوا في بيعه من الكتب، لم يقع تقديمه أو إعلام الناس به بأية طريقة من الطرق، حتى أن صديقي مومن التوتي هو الذي نبهني إلى عثوره عليه بالصدفة بعد أكثر من شهرين،

وكانت أول مرة أرى فيها فعلا وواقعيا كتابي مطبوعا، وقد تطوع بإهدائي النسخة التي اشتراها لنفسه، كان ذلك مثل من يقول لك: "لقد عثرت صدفة على ابنك المفقود"، إذ ثمة دائما علاقة أبوية عاطفية بين الكاتب وما يكتب، تعالوا أحدثكم عن خيبة الأدب في تونس،

مع كتاب "كاليتيم على أخر بيت مضاء"، عشت وتأقلمت مع فكرة أنه كتاب خائب، انتهى ميتا عند الولادة وتوقفت عن الحديث عنه أو الترويج له وظللت أعتقد أنه نشر تحت طالع نحس محاطا بالتدابير السيئة للنشر، ولم تكن لي حتى نسخة منه غير التي أهداني إياها صديقي مومن التوتي، وكان عليّ أن أقسم بكل صفات الله لكي أقنع من اقترضها مني أنها النسخة الوحيدة، وأني غير قادر بحكم أني عامل بسيط غير قار في الصحافة، على شراء كتابي بالثمن الباهظ الذي أراده الناشر لإهدائه إلى الأصدقاء،

الأسهل عاطفيا أن تنسى الكتاب، تماما مثلما يقال للأم إن ابنها مات أثناء الولادة. المأساة، حين يأتيها أحدهم بصورة ابنها وقد كبر قليلا، ضعيفا ومريضا وبعيدا عنها، إنما هو حيّ وموجود،

لقد جرت العادة في برّ تونس أن يمنح الناشر للكاتب معدل 100 نسخة من كتابه لكي يبيعها بمعرفته لدى أقاربه وأصدقائه وفي المقاهي والحانات، وهكذا، فإن الكاتب يتحول إلى ما يشبه باعة بطاقات الهاتف أو علب المناديل الورقية، معولا على التعاطف الإنساني أكثر مما يعول على القراء الحقيقيين،

أما الناشر، فهو يحتكر الدعم على الورق والنشر، ويحتكر شراءات وزارة الثقافوت ومؤسسات الدولة أو الخواص التي ترفض أن تشتري من المؤلف لأنه لا يملك رقما ضريبيا، وهذا الوضع الشاذ إبداعيا وأخلاقيا خلق كتابا مزيفين، وآخرين قارين بحكم العلاقات المنفعية في الجوائز ومهرجانات الكلام السخيف حيث يتبادل الجميع المنافع والخدمات الأدبية التي تفضي إلى نيل الجوائز المسمومة، وفي النهاية وضعا أدبيا معفنا، يقوم على الإخوانيات وتبادل المنافع والخدمات على حساب النصوص الحقيقية.

لم يظلمني الناشر حين منحني فقط ثمن مقال عادي من 250 كلمة في جريدة أجنبية، أي 300 دينار مسبقا مقسمة على جزأين لكبرها، لكنه لم يعطني نسخة واحدة من الكتاب، لم يقدمه لأحد، تركه وتركني في إطار "إذهبا أنت وربك فقاتلا، إننا ها هنا قاعدون" ومن وقتها، لم يسمع أحد شيئا عن الكتاب، حتى عثر عليه بعض الأصدقاء صدفة،

في مجتمعات أخرى، يعقد الناشر صفقات مع مؤسسات الثقافة الحرة والمعارض وينتدب النقاد والمختصين وينشئ أركانا قارة في المقاهي والنوادي، يتفاوض مع مؤسسات الإنتاج الإعلامي ويراهن على النصوص الحقيقية دون أي وهم في الدعم الحكومي أو شراءات وزارات الثقفوت والاحتكارات العمومية،

يجوب الأرض حيث القراء من الطلبة والتلاميذ والمثقفين، قرأت مرة أن الناشر الياباني للكاتب المغربي محمد شكري "الخبز الحافي، الشطار" نظم عدة رحلات لقرائه من اليابان إلى المغرب، فقط لكي يروا الأماكن التي وصفها المؤلف في روايته، لمقارنة تلك الصورة العجائبية للنص مع الواقع، بحثا عن قدرة الكاتب على إعطاء معنى للأشياء والأماكن،

أحد أصدقائي الكتاب هدد ناشرا بالقضاء، قال له: "أنت خاسر وغبي، تحتاج خمس سنوات لتحصل على حكم ضدي، أكون أنا قد أغلقت دار النشر واخترعت ثلاث أو أربع دور نشر أخرى"، ذلك أن دار نشر في تونس لا تحتاج إلى أي شيء من الاختصاص أو الالتزام، ولا حتى مقر أو رأس مال،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات