بناء على دعوات الرحمة للطاغية الجنرال زين العابدين بن علي هنا، واعتقاد الكثير من قلفاته وزبانيته فكرا وسلوكا، فإن بن علي لن يتعرض للعذاب ولا حتى للمساءلة الإلهية، ولن يمر على السراط أصلا،
أخذا في خاطر الطحانة وقوادي الطغاة في بر تونس المتعودة على الظلم الفاحش، أما الضحايا، فسوف ترسل إليهم البطاطن الصينية والماقرونة كالعادة لشراء صمتهم، على أساس وهم أن السماء أيضا محكومة بالقوانين الفاسدة لقوادي الأرض،
لا يزعجني أن يدفن بن علي في تونس أو في السعودية، طالما سيحاسب على أعماله أمام الله بعد أن رفض العدالة الانتقالية، وطالما سيقف معه أمام العدالة الإلهية كل من تورط في القتل أو التعذيب أو نهب أموال الناس مستغلا سلطة الدولة، آه، وحتى لا أنسى: من يريد أن يسامح بن علي، فهذا من حقه، بشرط أن لا يسامح في حق الناس، فلا أحد وكله على محو أحزانهم،
النذل يذوب حزنا في صفحته وهو يتعاطف مع قط بلا أهل، ويطلب الرحمة والغفران لحاكم طاغية وحشي لم تنج منه حتى الأجنة في بطون أمهاتها، النذل فقد "إحساس التعاطف الإنساني البدائي" مع ضحايا نظام بن علي الوحشي على مدى ربع قرن وتورط في مديحه وشتم ضحاياه والتمتع بآلامهم مقابل شغل مريح، دار أو فيلا من ملك الشعب،
ولما أهداه الشعب ثورة كرامة وفرصة أن يحتفظ بما سرق ويضم كشخته القذرة علينا، إذا به يستفز الشعب بطلب الرحمة والغفران للطاغية، علاه؟ ماشي في بالك أن الله في مرتبة كاتب عام لجنة تنسيق أو مستشار عند بن علي تستطيع شراء رضاه بشيء من النفاق؟
النذالة ثقافة، وحب الطاغية نذالة عميقة لا علاج لها، ستحشر مع من تحب، واطلب الرحمة له حين تصل إلى الله، فقد جاء في الأثر أن الحجاج بن يوسف تعذب طويلا قبل موته فبعث في طلب الحسن البصري، فقال له: "يا حسن، لا أسألك أن يفرج عني، ولكن أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي"،
وما دمنا في موت بن علي: شهادة في ملف قضائي أمام الله،
في بداية الموسم الدراسي الثانوي والجامعي 1985-1986 في ظل خروج بورقيبة من عقله ووعيه، اتخذ زين العابدين بن علي الذي كان مديرا عاما للأمن الوطني بصلاحيات رئيس دولة قرارا بتصعيد التعامل مع الطلبة والتلاميذ المحتجين على النظام من الاعتقال والتعذيب أو التجنيد في رجيم معتوق إلى توظيف القضاء في تحويلهم إلى محاكمات جائرة،
وتدعم القرار لما أصبح بن علي وزير داخلية بتعليمات إلى القضاة: خمس سنوات سجنا من أجل أية مظاهرة، وهكذا ظهر في تاريخ السجون التونسية الشهيرة بوحشيتها جيل جديد من المساجين التلاميذ بين وحوش الحق العام،
حسنا، إن ما فعله بن علي فيما بعد لما أصبح رئيسا كان أشد فظاعة من ذلك، لم يكن سجن التلاميذ والطلبة من أجل التظاهر سوى حصة تذوق قبل الطبق الرئيسي لوحشيته غير المحدودة، هذه شهادة أمام الله، في ملف رجل يقف أخيرا أمام الشيء الذي لم يحسب حسابه، العدالة الإلهية،