صورةٌ منعشةٌ تعكس النّصفَ الملآنَ من الكأس الذي ظلّ يصرفنا عنه شقيقُه الشّاغرُ صرفًا مستمرّا نحن الذين أثخنتْنا الهزائمُ المتتاليةُ وتحطّمت منذ عقود مديدة على جدران الخذلان والخوف آمالُنا في بلدان تبني مواطنا متوازنا تحيا فيه الإرادة وينتعش الحُلم وينمو الأمل الوضّاءُ…
الصّورة تنطق بكثير من الدّلالات. طفولةٌ بريئة يغادر وجهُها النّاعمُ فتحةً في قماش مسكن لا يحمي من قَرّ ولا حرّ تأوي إليه وإلى أشباهه مئاتُ الأُسر الغزّاويّة المرحّلة كرها من منازلها التي أضحت رُكاما بفعل أسلحة عالم غربيّ حرباويّ متلوّن متواطئ مع أبشع محتلّ عرفه تاريخ البشريّة.
طفولةٌ أسّس لها هذا العالم المنافق منظّمة عالميّة ليس لها كمثيلاتها سلطةٌ على الكيان الصّهيونيّ الذي تبوّل بلوبيّاته المتغلغلة على كلّ القوانين الدّوليّة التي ترعاها مغالَطةً بلدانُ أكذوبةِ "حقوق الإنسان" و"حماية الطّفولة" وما إلى ذلك من مسمّيات ذرّت الرّماد في عيون السّذّج والحمقى فعميتْ عن واقع إنسانيّ مؤلم لصاحب الابتسامة الآسرة وأمثاله في غزّة التي تحترق بجحيم ممارسات حاقدة جدّا لرئيس وزرائها السّائرِ بانضباط عجيب وراء زوجته الفاتقة النّاطقة والمسكونِ بخوف من مغادرة لكرسيّه يدفع به إلى السّجن جرّاء مخالفات داخليّة عميقة، ممارسات تترفّع عنها أعتى وحوش البرّيّة فلا تأتيها بما قذف الله في قلوبها من لين وعطف ورأفة رأيناها بأمّهات أعيننا عبر وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ في تصويرها للحياة البرّيّة.
للّه ما أروع هذه الابتسامة الوديعة التي تشارك فتحةَ البيت القماشيّ في تركيز إلى أملٍ لا يجب أن ينقطع رغم مجازر المدنيّين المروِّعة التي تشهدها غزّة الأبيّة الصّامدة بعد اختراق "إسرائيل" الهدنة التي توسّط فيها بلَدان عربيّان من الواجب لو كانا يتحلّيان بأبسط شروط الشّجاعة والمروءة أن يوقفا ما أتاه الكيان الزّنيم من تنصّل قبيح من كلّ اتّفاقٍ ليمارس بضوء أخضر أمريكيّ وغير أمريكيّ إبادة ممنهجة لأطفالٍ هزّ سابقوهم عرشه الأوهن من بيت العنكبوت وقد اشتدّ عودهم فآلموه بطوفانهم المبارك شبابا يُبدع في تمريغ أنفه في رمال غزّة المتحرّكة بملاحم غير مسبوقة في تاريخ حروب المعمورة…
صغيري، حماك الله، وحرسك، وجعل ابتسامتك العذبة ووجهك الملائكيّ المطلّ من ثُقب في قماش بيتك الانتقاليّ بارقةَ أمل تتشبّث بنا ونتشبّث بها رغم الدّاء والأعداء…
صغيري، لقد قال درويش الذي لم تعرفه بعد وقد ملأت قصائدُه المعجونة من طين الوطن المقهور قلوبَنا بانتظارٍ لا يخيب:
"نحن أدرى بالشّياطين التي تجعل من طفل نبيّا"
فلْيحفظك اللّه لتكون ومن سيُكتب لهم طولُ العمر من لِداتك أنبياءَ يتقدّمون المعركة، إن لم يكتبِ اللّه لها نهاية قريبة، ويسيرون بهَديٍ من الخالق الذي ملأتم به وبكتابه الكريم قلوبكم صغارا وكبارا لإتمام أثمن رسالة انحنى أمام طرفها الآخرِ كبارُ أمّتك وأمّتي المتاجرون في سوق النّخاسة المنبطحون ذعرا وفرَقا نُخبًا ومشايخَ وساسةً يقودون جيوشا من ورق في دول أبدعت في مساندة عدوّكم سرّا وجهرا…