قضيّة بخطورة عودة التونسيين من بؤر التوتّر يُفتَرَض أن يستضيف الإعلام أهل القرار و الرّأي والخبرة و التّجربة و المعطيات الدّقيقة في مؤسسات الدّولة و هم الجهة المّحَكَّمَة المؤهّلة لإنارة الرّأي العامّ و تقديم ما يمكن تقديمه من رؤية الدّولة و استراتيجيتها في هذا المجال و مساءلتهم و الاستفهام منهم ،
ثمّ يمكن الانفتاح على أهل الثّقافة و الفنّ و الدّين و البحث العلمي لمزيد النقاش و التعميق في تطوير استراتيجيا الدّولة و حسن تنزيلها .
أمّا تقديم من ليسوا من أهل الرأي المُحَكّم القائم على المعطيات الميدانيّة المُوَثَّقَة فذلك تشويش على الرّأي العام و إرباك لاستراتيجيات الدّولة في مواجهة الأخطار .
فما بالك عندما يتورّط النّاطقون باسم الدّولة في تصريحات مرتبكة غير منسجمة مع معطيات الدّولة و استراتيجياتها ،
تنزيل قضيّة عودة التّونسيين من بؤر التوتّر ضمن جدل التّوبة و مدى قبولها من الله هو جدل مضلّل لا علاقة له بالمسألة بل يحرّفها عن مسارها و يدخلها في دائرة الجدل العقائدي الكلامي المذهبي حول التوبة النصوح و شروطها و ضوابطها ، بينما التوبة مسألة دينيّة شخصيّة لا تهمّ المجموعة الوطنيّة إلا في علاقتها بمخرجاتها على المستوى العملي .
عودة التونسيين المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابيّة خارج تونس التي تناولها قانون الإرهاب هي قضيّة أمنيّة و قضائيّة بالدّرجة الأولى في علاقتها بدراسة الملفات و فرزها و فهمها و جمع المعطيات الاستخباريّة المتعلّقة بالاستقطاب و الانتظام و التمويل و التّدريب و العمليات التي وقعت في تونس والتّسفير و الخطط و العمليات القتالية و تعدد الفصائل و ارتباط التونسيين بها ، لفهم تشكّل هذه الظاهرة و أسبابها و خلفياتها و مواردها البشريّة و جمع المادّة التي تعين على تفكيكها و التدخّل القضائي النّاجع في القضايا التي تقتضي تطبيق القانون.
بعد كلّ هذه المرحلة الأساسيّة يمكن لمؤسسات الدّولة و المجتمع المدني المعنيّة بالتّأطير و التّكوين و التّثقيف و التربية و البحث العلمي و إعادة الإدماج و و الإصلاح والاستيعاب أن تقوم بدورها في الحوار و المناصحة و تطوير الوعي و الدّفع نحو النّقد الذاتيو المراجعات و الوقاية و التوقّي و حماية المجتمع و استيعاب من انحرفوا عن الإجماع الوطني و مصالحتهم مع شعبهم.
عوض قانون التوبة الذي لا معنى له في فلسفة القانون المدني حيث ليس من صلاحيات الدولة المدنية أن تشهد بتوبة مواطنيها و صدقهم و تقدّم لهم صكوك الغفران ، عوض ذلك على الدّولة أن تمارس صلاحياتها المنصوصة في القانون و السياسات و البرامج التي قرّرتها ، ثمّ لاحقا استيعاب كلّ مواطنيها في عقد السّلم الأهلي.