رؤية السّعوديّة 2030 !!!

Photo

هذا عنوان المرحلة التي بشّرت بها القيادة السياسية الجديدة للمملكة سنة 2016 استعدادا لما اعتبر مرحلة ما بعد النّفط ، و تتمثّل في جملة من الإصلاحات الاقتصاديّة و الإداريّة بالإضافة إلى تبنّي برنامج شامل للسّياحة الدينيّة من خلال تخصيص مسالك سياحية للمعالم الدينيّة إضافة إلى المشاعر المقدّسة المندرجة ضمن مناسك الحجّ و العمرة ، مع ضبط سياسة ثقافيّة للعناية بالمهرجانات و الفعاليات الثقافية .

استعدادا لإنجاح هذه الرّؤية خفّفت السلطات من تدخّل هيئة الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر في الحياة العامّة ، و هذا ما لاحظناه عند زيارتنا الأخيرة للمملكة ، كانت الدّعاية لهذه الرّؤية على قدم و ساق ، في حديثنا مع عدد من نخب البلد مستقلين و رسميين حصل لدينا انطباع أنّ البلد مقدم على مرحلة انفتاح سياسي و ثقافي و ديني بل مذهبي من خلال الاهتمام الخاصّ بالمناطق التي يقطنها شيعة البلد ، علما و أنّ الجائزة الأولى لمعرض الرّياض الدّولي للكتاب أسندت لمفكّر سعوديّ من أصول شيعيّة ،

عند زيارتنا لمركز محمّد بن نايف للمناصحة و الرّعاية المتخصّص في مكافحة الإرهاب و تأهيل المتورّطين فيه ، وقع عرض محاضرات عن الظّاهرة من طرف كوادر أمنيّة و متخصّصين في علم النفس و الاجتماع و الشّريعة ، من بين الأسئلة التي طرحناها عليهم " هل تصنّفون حركة الإخوان ضمن حركات الإرهاب ؟ " كان الجواب صريحا و واضحا من فم المسؤول الأوّل في المركز أنّ من انشقّوا عن الإخوان و انتموا إلى جماعات إرهابية فهم إرهابيّون و لكن من انخرطوا في العمليّة الديقراطيّة مهما كانت أخطاؤهم فليسوا إرهابيين ، و في حديث جانبي مع بعضهم أشاروا إلى عزم السعوديّة على الدّفع نحو المصالحة بين إخوان مصر و النظام العسكري ،

أمّا حماس فقد كان الموقف منها صريحا على لسان العديد ممّن التقيناهم فهي مقاومة مشروعة مطلوب منها السّعي نحو توحيد الصفّ الفلسطيني .

في مناسك العمرة تلاحظ تغييرا لافتا من خلال السّماح بالتصوير أثناء الطّواف و بقيّة المناسك على خلاف ما كان عليه الأمر سابقا حيث يضعك مجرّد التقاط صورة عرضة لتعزير المُطَوّعين المتحفّزين للمنعك و تقريعك ، بل تحوّل الحرم المكّي و المدني راهنا إلى مهرجان دينيّ بهيج بكلّ أبعاده الرّوحيّة ،

كلّ البرامج التي تتضمّنها رؤية السّعوديّة 2030 و التي يفترض أن تغيّر وجه السّعوديّة تقتضي مناخات من السّلم و حسن الجوار و الاحترام المتبادل مع شعوب المنطقة و دولها و احترام سيادة هذه الدّول و إراداتها وخاصّة تلك التي تكوّن مجلس التعاون الخليجي.

كلّ هذا يطرح أسئلة ملحّة في ضوء الازمة الخليجيّة الرّاهنة و الموقف من قطر و حماس و الاخوان و دول الربيع العربي :

ما الذي يحدث في المملكة العربيّة السّعوديّة ؟

لم كلّ هذا الاحتقان و الشدّ و الجذب مع دولة عضو في الامم المتحدة و مجلس التعاون الخليجي ؟

هل أصبحت هذه الدّولة تشكّل فعلا خطرا على أمن الخليج ؟

أم يتعلّق الامر بموقف من دولة تريد أن يكون لها سياسة مستقلّة عن جيرانها مهما كان الموقف من هذه السياسة ؟

لماذا هذا الانفاق المفرط في التسليح ؟ هل البلد مقدم على حرب طويلة المدى ؟

لماذا هذه العدائيّة المفرطة لحركة الإخوان إلى حدّ الرغبة في محوها من الوجود بكلّ الوسائل ؟

هل ترتهن السعوديّة في موقفها هذا إلى رؤية الإمارات العربية المتّحدة للمنطقة ؟

لماذا هذا الموقف المفاجئ من حماس بعد دعمها في فترات سابقة ؟ و ما سرّ هذا التّقارب مع الكيان الصّهيوني ؟

لماذا تغادر السعودية برمزيتها الدينيّة موقف القوّة التعديلية الذي مكنها من القيام بأدوار متقدّمة في احتضان مؤتمرات تمّت فيها اتفاقيات و مصالحات مهمّة بين فرقاء سياسيين " اتفاقية الطّائف و مكّة " ؟

و السّؤال المركزي الذي يجول بخاطر من تابع الدعاية التي صاحبت الإعلان عن رؤية السعوديّة 2030 :

هل تراجعت السعوديّة عن هذه الرّؤية لصالح رؤية أخرى لا تقوم على الانفتاح الثقافي و التعايش و الحوار بين شعوب المنطقة بل على رؤية الأحلاف و الاصطفافات و المحاور و المزيد من التنافس على زعامة المنطقة و سباق التسلّح ؟؟؟

يبدو لي أنّ هذا الخيار الثّاني سيكون مكلفا للسعوديّة و لن تكون نتائجة إيجابية على مستقبلها السياسي و الاقتصادي و مسار الإصلاحات الذي تحتاجه من أجل البقاء مستقرّة بعيدة عن الهزّات الدّاخلية و الارتهان للحماية الخارجيّة،

رؤية السّعودية 2030 يمكن أن تكون مدخلا لنهضة في هذا البلد الذي يعتبر مهوى أفئدة قلوب المومنين يأتونه من كلّ فجّ عميق ، وأد هذه الرّؤية بشروطها السياسيّة يفوّت على هذا البلد الشقيق فرصة للنّهوض و الاصلاح التدريجي و التحرّر من الهيمنة الخارجيّة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات