درس الأشقّاء

Photo

عندما تحضر ندوة أو مؤتمرا عربيّا لعرض تجارب الدّول الشّقيقة في مجال الحقوق والحريات والديمقراطيّة والحوار المجتمعي ودور المجتمع المدني والنّخب ... تشعر وأنت القادم من تونس رغم ما يشهده بلدك من غليان وتدافع أنّك من كوكب آخر ، لا فقط باعتبار ما شهده بلدك من تطوّر في عديد المجالات التي تزال تراوج مكانها في دول أخرى ولكن لاعتبارات اثنيّة وتاريخيّة وسوسيوثقافيّة تجعل البون شاسعا والخطب على أشقائنا في دول أخرى كبير،

ففي الوقت الذي يغلب فيه التّجانس على المجتمع التّونسي تشهد مجتمعات عربيّة أخرى تنوّعا دينيّا ومذهبيّا وقبليّا وعشائريّا وإثنيّا لم ينجحوا في إيجاد صيغ سليمة لبناء تعاقدات تجمع هذا التنوّع وتجعله عامل قوّة على أساس قيم المواطنة الضّامنة للتعايش والسّلم الأهلي، ممّا أدّى إلى الاحتماء بهويّاتهم والولاء لها حتّى تحوّلت هذه المحتمعات إلى كانتونات كيانات هوويّة تتنافس وتتصارع على تأمين وجودها وبقائها وتمدّدها ولو على حساب الأخرى.

كلّما ضعفت الدّولة ومؤسّساتها طرحت أشكال الانتظام والانتماء الهووي نفسها خيارا بديلا أو موازيا للدّولة التي أصبح وجودها باهتا وشكليّا ومشوّها في بعض التّجارب، درس الانفتاح على معاناة هذه التّجارب المريرة في سبيل تحقيق العدالة والمساواة والحقوق والحريّات والتّعايش والسلم الأهلي، هو ضرورة المحافظة على الدّولة ومؤسّساتها مهما كانت الخلافات والنّزاعات والصّراعات ومزيد تقويتها بترسيخ أسس الحكم الرّشيد والحوكمة العادلة.

كنّا نقول سابقا ما أوسع الفكرة ما أضيق الدّولة، وكنّا نقول كذلك إذا غابت الفكرة حضر الصّنم، وناضلنا ضدّ الدّولة الصّنم من أجل دولة مواطنين، ولكنّنا نقول اليوم من وحي ما يحدث لدى عدد من أشقّائنا إذا غابت الدّولة حضر التوحّش والفوضى والكيانات الموازية المستقوية بالخارج لتسود وتتقوّى على كيانات مقابلة في نفس البلد،

دولة المواطنة والعدالة الاجتماعيّة المحكومة بالدستور والقوانين والمراقبة من المجتمع المدني والإعلام الحرّ هي مركز لأيّ مشروع وطنيّ تحرّري يرنو إلى تحقيق الشروط الضّامنة لأقدار من السيادة في زمن من الإكراهات التي أصبحت معها السيادة عبارة أقرب للإنشائيّة واليوطوبيا …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات