كلّ تحرّك شعبي سلمي مدني غير موظّف يرفع المطالب الاجتماعيّة هو بمثابة تصحيح لمسار الانتقال الديمقراطي و إنقاذه من التردّي الذي وصل إليه بسبب تجاذبات الأحزاب و اصطفافاتها و انقساماتها و شقوقها و مهاترات منظوريها و مهارشاتهم الكلبيّة وصراعاتهم و نزاعاتهم الغنائميّة و النرجسيّة المريضة ،و التّكالب على التموقع و البريكولاج الحزبي .
الحراك الاجتماعي تذكير لمن تنفعهم الذّكرى من السياسيين بأنّ خلف مشهد السيرك الحزبي و السياسي الرّاهن شعب أنجز ثورة من أجل كرامة العيش طال انتظاره و قد ينفذ صبره على ما يشاهده من عجائب نخبه.
نعم هناك من أسقط من حسابه معطى الثورة و الشعب و الجماهير و اعتبرها قاموسا نوستالجيّا مستهلكا و مقولات وجدانيّة انفعاليّة لا تعبّر عن واقع ميدانيّ و اعتبر أنّ هذا الشّعب عجينة في يد الأقوياء أرباب المال و السّيف و اللسان يشكّلونها وفق أهوائهم على النّمط الاستبدادي القديم ،
نعم هناك من يبني تصوراته على المعطيات الاقليميّة و الدوليّة المواتية و يستفيد من ضعف المشهد السياسي المحلّي و اختلاله و علله و أمراضه المزمنة .
نعم ، نعم
و لكن ،
من كان يتصوّر أنّ حراكا شعبيّا محدودا أربك منظومة استبداديّة برمّتها و خلخل أركانها و أفضى إلى ما أفضى إليه ؟؟؟ ،
نفس الذين لم يصدّقوا و بقوا إلى آخر لحظة خارج السّياق الوطني بعيدا عن نبض الشّعب و عن دائرة الإدراك و الاستيعاب و بقوا في حالة دهشة و بهتة و ارتعاب هم من يعيدون اليوم الكرّة من جديد و يستهينون بقوانين الاجتماع البشري و ما يختزنه الشّعب من طاقة كامنة على صنع المبادرة و المفاجأة من جديد بنفس الأشكال السلميّة المدنيّة التي أبهرت العالم .
حذاري فتحت الرّماد اللهيب *** و من يبذر الشّوك يجني الجراح…
*عودة العصا الغليظة لمواجهة التحرّكات السلميّة " تحرّك الطّلبة نموذجا " مؤشّر على أنّ الطّريق لتحقيق أمن جمهوري مازال طويلا … الفرق أنّ التعلّل بتطبيق الأوامر زمن القمع يمكن أن يفهم ، أمّا اليوم فلا يمكن القبول به في ظلّ ترسانة الفصول الدستورية و القانونية و التعهدات السياسيّة و تحرّر إرادة المؤسّسة الأمنيّة و السّعي لإصلاحها.
لم يعد هناك ما يبرّر مواجهة الأمن لأبناء شعبه بالعنف أثناء تحرّكات سلميّة إلا بقاء رواسب الثقافة الأمنيّة لما قبل الثّورة.