من مقترحات لجنة الحريّات و المساواة حقّ الأمّ في إسناد لقبها لأبنائها و ذلك من خلال تخييرهم بين لقب الأب و لقب الأمّ عند بلوغ سنّ الرّشد!!!
عبث ما بعده عبث و مساواتيّة شكلانيّة لا يترتّب عنها سوى فوضى القيم كأنّ اللجنة لا تعلم أنّ نسبة الطفل لأمّه لها دلالة سلبيّة مستهجنة في الفقه الإسلامي و الضّمير الجمعي حيث لا يُنسَب لأمّه إلا " ابن الزّنا".
و قد يُكَنّى بها من قبيل اسم شهرة لا غير لا من باب الانتساب و التلقّب …
فذلكة منطقيّة
اختيار الأبناء لقب الأمّ دون الأب يعني اختيار لقب أبيها الذي انتسبت إليه عند ولادتها ...
وحتّى نضمن أن يكون الاختيار " أموميّا matriarcal " صرفا لا بدّ من البحث عن لقب الأمّ الأوّل" أمّنا الرّائعة الجميلة حوّاء لا ذَكَرَ قبلها نسبًا " ليكون اللقب و الانتساب خاليين من كلّ أثر رمزيّ للذّكورة و نقضي بذلك على الأصل الأوّل للثقافة الذّكوريّة و الأبويّة بالإطلاق ... و هذه الطّريقة في التّفكير قائمة على خلل منطقيّ " الدّور و التسلسل " .
بعيدا عن هذا التّرف التّشريعي الأحرى هو تكريم الآباء و الأمّهات و برّهما و دعم حقوق النّساء الفعليّة و حمايتهنّ من الانتهاكات الماثلة و المتعيّنة في الواقع و تقوية رابطة الأسرة و العائلة و القرابة و صلة الأرحام و رابطة المواطنة …
بعيدا عن هذا التّجريب التشريعويّ الماسخ الذي لا يقوم على أساس من الفكر المنهجي الحرّ و الإبداع و التّجديد و لا على المصلحة العامّة الموضوعيّة المعقولة.
خلع الأبواب المفتوحة
من اقتراحات لجنة الحريات إلغاء المهر بالكليّة في عقد الزّواج رغم الطّابع الرّمزي الغالب عليه في واقعنا الاجتماعي الرّاهن ، لذلك نريد أن نلفت الانتباه أنّ المهر في الأصل هديّة و عربون محبّة يتودّد بها الزوج لزوجة المستقبل ، قد تكون نقدا أو ممّا تطيب النّفس بإهدائه أو من المتعارف على التّهادي به حسب طاقة المتزوّج و قدرته ،
وقع سوء استغلاله في فترات تاريخيّة من خلال التزايد في المهور للظّفر بالزّوجة أو اشتراط عائلات النّساء مهورا باهضة لتزويجهنّ أو لمنع تزويجهنّ ممّا أعطى الانطباع الخاطئ أنّ المهر مقابل ماديّ للزواج أو شكل من الاتّجار بالنّساء ،
لكن هذه الانحرافات في الممارسة لا يجب أن تشوّه بأيّ حال حقيقة المهر و بعده الرّمزي باعتباره هديّة و عربون محبّة ،
اليوم اصبحت القيمة الماديّة للمهر دون عادة المواسم قبل الزّواج بكثير ، بل يمكن اعتبار المواسم أكثر قداسة و إلزاما و تكلفة ماديّة من المهور في مجتمعنا رغم الاشتراك بينها جميعا في معنى الهديّة و المودّة والتّكريم و المساهمة في تكاليف الزّواج .
قد يقال لماذا يعتبر المهر حقّا للمرأة على الرّجل و ليس العكس ، و هي مسألة تتعلّق بالأعراف و الطّباع و المروءة ، فالمرأة كانت دائما موضوع للطّلب و التقرّب و التودّد و الاسترضاء و التغزّل في كلّ الحضارات و الثّقافات و الآداب و الأشعار ،
يمكن لأبيها أو أخيها أن يتخيّر لها من يليق بها و يُستَأمَنُ عليها و لكن لا يمكن أن يصل ذلك إلى حدّ الذّهاب صحبة العائلة و الفتاة لخطبته من أبيه و طلب موافقته ،
و هي خصائص موجودة في الطبيعة بل في تلقيح البويضة نفسها حيث يسعى الحيوان المنويّ في تنافس و سباق مع أقرانه للفوز بالوصال العجيب و الخلّاق، فلا مهانة للمرأة و لا انتهاك لكرامتها في تقرير هديّة مصاحبة للصّداق ، ويبقى سلوك التهادي بينهما مشتركا قبل الزّواج و بعده.
أمّا في سياق الفقه الإسلامي " فالمهر ليس شرطاً من شروط الزّواج ولا ركنا من أركانه حيث يصحّ العقد بدون تسميته، أو استلامه، وهذا مذهب الجمهور، و قد جاء في الموسوعة الفقهية: والمهر ليس شرطاً في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء، وإنما هو أثر من آثاره المترتّبة عليه،
فإذا تمّ العقد بدون ذكر مهر صحّ باتفاق الجمهور وفقا لما ورد في الآية الكريمة : " لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً" ـ فإباحة الطلاق قبل البناء وقبل فرض صداق يدلّ على جواز عدم تسمية المهر في العقد …
وبالرّغم من عدم اشتراط المهر لصحّة الزّواج إلا أنه حقّ خالص للمرأة فرضه الله لها على الزوج، وليس لأحد من أهلها أو غيره أن يسقطه عنها، والمطالبة به حق للمرأة، ويجوز لها أن تسقطه كله، أو بعضه إذا طابت بذلك نفسها، قال تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا }النساء:4. {
قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة وهو مجمع عليه.
ولا مانع من تأجيل دفعه إلى أجل معيّن أو إسقاطه بطيب خاطر من المرأة ."
لذلك المسألة ليست في وارد التصدّي لما يمسّ من كرامة المرأة أو مساواتها بشقيقها الرّجل.