توحّش العراء / عراء التوحّش
التعرّي فعل إيروتيكيّ في الافلام القائمة على الحبكة الشبقيّة حيث الليبيدو هو بؤرة الخطّة الدّراميّة، والتعرّي لقطة دعائيّة للاستثارة والتّسويق في الأفلام التّجاريّة. والتعرّي خيار فنّي أيديولوجي في الأعمال الفنية التي تندرج ضمن المدرسة الواقعيّة التسجيليّة التي تنقل الواقع كما هو والتعرّي جزء من الشّو في عروض الستربتيز و l’exhibition
تعرّي الممثّل السّوري على خشبة المسرح البلدي لا ينتمي لأيّ جنس من هذه الأجناس التعبيريّة بل هو شكل من الكشف المدوّي عن عبثيّة الواقع السّوري الذي أصبح فيه الجسد بكلّ حميميّته أكثر الموجودات قابليّة للتبديد والتدمير والانتهاك والتّشييء ، هي ملحمة الأجساد العارية المعذّبة المغتصبة المقطّعة المسلوخة والأشلاء الملقاة على قارعة الطّريق ،
هو تعرّ تراجيديّ لا أثر فيه للإيروتيكا والشّبق والإثارة ، بل لا أثر فيه للاستفزاز الأيديولوجي الكاسر للتابووات ، هو فقط تعبيرة مرعبة عن تداخل المرجعيّات وفقدان البوصلة وتشوّش المعايير والقيم في بلد ينتقل فجأة من الصّورة التسويقيّة المضيئة لباب الحارة المشحونة بالرّموز والمعاني والقيم الشرقي إلى بلد مدمّر واقع تحت استعمار عسكريّ مباشر بعد أن كان هدفا لاحتلال جماعات الإرهاب المتوحش القادمة من الآفاق،
واقع الحال شعب مئات الآلاف من أبنائه مشرّدون بين المعابر الحدوديّة لدول العالم ومخيّمات اللجوء والسّجون والمعتقلات والمدن المحاصرة والمقابر الجماعيّة وقوارب الموت وأبواب التسوّل والدّعارة، لا معنى هنا للسّتر والحشمة والعراء وحميميّة الجسد والقيم المعياريّة مهما كانت مرجعيّتها ،
العراء عودة لنمط الحياة البدائيّة المتوحّشة، هو فوق الخشبة توظيف لتوحّش العراء بقصد تعرية توحّش الواقع .
لكن هل يعني كلّ ذلك أن من تجيش في خاطره هذه العاصفة من التفاعلات المتناقضة يمكن أن ينقلها فنيّا بشكل ينتهك التعاقد بين الباثّ والمتقبّل ، تعاقد تضبطه القوانين والأعراف والذّوق العامّ le bon sens ؟ أليس في الفنّ من أشكال المجاز والتورية والحيل الركحيّة والخيال الدرامي ما يعبّر عن حجم المأساة والعبثيّة والعدميّة التي يضجّ بها الواقع ؟،
الاستعمال الأداتيّ instrumentalisé للجسد العاري كشكل تعبيريّ عن المأساة هو كذلك شكل من الانتهاك أتفهّمه ولا أقبله ، أتفهّمه لأنّ في ثقافتنا المحليّة يهدّد المقهور رجلا كان او امرأة بتعرية جسده أمام العموم كشكل من أشكال الإدانة والتعبير عن الغضب واليأس والإحباط وأرفضه لأنّه انتهاك للحرمة الجسديّة ولانتظارات المتقبّل المتعاقَد عليها فنيّا وثقافيّا وقيميّا.