الفتاوى التي تحرّم التّصويت للمصوّتين لصالح قانون المساواة غير موفّقة في تقديري ، لأنّها تُخضِع السّلوك الانتخابي لمنطق الحلال والحرام وتعيدنا من جديد إلى مربّعات ملتبسة وخيمة العواقب لا نريد العودة إليها .
التصويت العقابي أو المفيد أو الدّعوة لعدم التصويت لجهة ما لأسباب انتخابية أو غيرها دارج في كلّ الانتخابات ومن طرف كلّ المكوّنات السياسيّة، لكن إدراجه في خانة الحرمة والحليّة هو انتكاس عن السياسة المدنيّة وفتح باب يصعب إغلاق، إذ لكلّ حساسيّة دينيّة ما به تحرّم وتجرّم صاحب الحساسيّة المقابلة من منطلق مذهبي تأويلي.
الزيتونة مؤسّسة علميّة وليست دارا للإفتاء عبّرت الموقف العلمي وفق اختصاص منظوريها وقناعاتهم ، ويسعهم منفردين أو مجتمعين أن يتحمّلوا المسؤوليّة العلميّة والدينيّة عن الفتوى في أيّ اتّجاه يرونه دون توريط الزيتونة في القيام بأدوار ليست من مهامّها وإعادتها من جديد إلى مربّع الاستهداف والحصار.
أقول هذا من موقع الانتصار لقيم المواطنة والخشية على السّلم الأهلي والخوف من مزيد تكريس الانقسام الهووي وكذلك للحفاظ على دور الزيتونة باعتبارها مؤسّسة للتدريس والبحث العلمي وجزءً من الجامعة التّونسيّة ومنظومة التّعليم العالي.
حوار الديالكتيك والفكر السلطاني
"هل مقدّسات المتديّنين أقلّ شأنا من مقدّسات الحداثيين؟"
سؤال طرحه عالم الاجتماع الدّكتور عبد اللطيف الهرماسي على الأستاذ صلاح الجورشي عضو لجنة الحريّات الفرديّة.
من المفارقات الطّريفة لحوارهما على قناة الجزيرة ليلة البارحة أنّ صاحب المرجعيّة اليساريّة الماركسيّة كان يدافع عن حقّ الشّعب في أن يُحكَم بالتّشريعات التي تعبّر عن ضميره الجمعي وتواكب تطوّر وعيه ونسق حراكه المجتمعي ، بينما كان صاحب المرجعيّة الإسلاميّة الذي كان له سابقة في الانتماء الحركي يدافع عن دور الدّولة في استباق وعي النّاس بإقرار تشريعات "تقدّميّة" قد لا تعبّر بالضّرورة عن الإرادة العامّة.
ربّما هو الفرق بين الفكر الجدلي الصّافي الخالي من شوائب الأدلجة والفكر السّلطاني الوسيط المتلاقح مع الهيجليّة التي تعتبر الدّولة لاهوت السّماء الذي حلّ في النّاسوت الأرضي !!!