كلام يتردّد : الحريّات الفرديّة لا تتجزّأ وليست مشمولة بخيار القبول أو الرّفض أو التحفّظ أو التنسيب أو الاستثناء أو استفتاء الشّعب ، كأنّها أحكام توقيفيّة أو واجبة الوجود لذاتها تستمدّ شرعيّتها وسلطتها من ذاتها أو من سلطة علويّة مفارقة ،
ينسى هؤلاء أنّ جزءً كبيرا ممّا يعتبرونه حريّات فرديّة هو تأويل وتمثّل خاصّ انفرادي للحريّات الفرديّة وليس الحريّات الفرديّة بألف ولام الاستغراق ، يريدون فرضه على المجتمع قد دون أن يعبّر بالضّرورة عن ضميره وحاجاته وقيمه ،
احترام الحريّات الفرديّة وضمان أوسع قدر ممكن منها مبدأ أساسيّ لتحرير الفرد المقهور من قيود الجماعة ، لكن الفرد مدنيّ بطبعه ولا يمكن أن يمارس فرديّته بشكل فردانيّ بمعزل عن حقوق المجموعة وقيمها وضميرها العامّ ،
المشرّع الفطن الممتلئ بقيم الحريّة والمصلحة العامّة في آن واحد يوازن ويرتّب الأمور بالشكل الذي يستقيم فيه أمر العمران دون أن تفرط جهة على أخرى ، ولكلّ مجتمع طريقته في ترتيب العلاقة بين الفرد والجماعة رغم نزوع البشريّة إلى اقرار شريعة كونيّة تضبط قيما ومعايير مشتركة من خلال المنظومة الدوليّة للحقوق بكلّ أجيالها وعهودها ومواثيقها.
حتّى هذه المنظومة نفسها جعلت قيودا وضوابط عامّة للحريّات والحقوق الفرديّة مثل قواعد الصحّة والأمن والآداب العامّة ، كما أثارت جدلا حول ما سمّي بتعارض الحقوق وهي أوضاع تتعارض فيها حقوق الأفراد بين بعضهم البعض أو بينهم وبين مجتمعاتهم، وهي وضعيات طريفة تثير جدلا في الدورات التكوينية و التدريبية على حقوق الإنسان.
كلّ هذا يبيّن أنّ الجدل القائم حول الموازنة بين أصناف الحقوق والحريّات أمر سويّ وصحيّ ولا مجال فيه للمصادرة بشكل فوقيّ مسبق يقطع الطّريق على الحوار المجتمعي بدعوى انّ الشعب متخلّف ولا يرتقي وعيه لمستوى ادراك قيمة الحريّات الفرديّة.
نعم الحريّات لا تتجزّأ والحقوق لا تتجزّأ وتنظيمها داخل الإنتظام الاجتماعي شرط للسلم الأهلي وتحقيق انسانيّ الانسان.