لن أتحدث كثيرا عن الدبلوماسية قبل الثورة فلقد كانت تتمحور حول تلميع صورة أشخاص و"عائلات " متنفذة فقط ،وهذا لا يعني عدم وجود العديد من الدبلوماسيين الشرفاء والاكفاءالذين دافعوا عن مصلحة الوطن كل من موقعه ,ولن أستفيض أيضا في الحديث عن الموضوع خلال الثورة ,إلا للقول أنها حررت الدبلوماسية التونسية، شكلا ومضمونا ,من تبعيتها للحزب الحاكم انذاك الذي كان يعتبرها "غنيمة" ,لكي أتحدث فقط عن الحالة المزرية مع المنظومة الحاكمة الحالية ,وفشلها الذريع من خلال بضعة أمثلة :
1/ فرنسا :
أحببنا أوكرهنا ذلك فإن فرنسا تبقى أهم طرف نتعامل معه على الصعيد الدولي ,لذا على الدبلوماسية التونسية أن تكون على دراية كبيرة بما يجري هناك وخاصة على الصعيد السياسي لان ذلك سيكون له تأثير مباشرا على بلادنا...بديهي اليس كذلك؟؟؟
للأسف الامر لم يكن كذلك.... إذ لما قدم المرشح ماكرون الى بلادنا وطلب مقابلة السبسي ,رفض مطلبه ,وتم إحتقاره إذ كلف الوالد إبنه لمقابلته !!!,فأعطى صورة سيئة عن بلادنا ,فغادر الى الشقيقة الجزائر أين استقبل بحفاوة,والى المغرب أين أستقبل كذلك إستقبالا جيدا ...والنتيجة بعد فوزه وأصبح رئيسا لفرنسا زار المغرب ....وقاطع بعلو واضح تونس.
مسؤولية هذا الفشل الذي يرتقي الى مرتبة الكارثة تتحمله وزارة الشؤون الخارجية,التي لم تتصرف بالمهنية المطلوبة بخصوص الانتخابات الفرنسية .
2/ المغرب:
أي دبلوماسي مبتدىء يعرف أن زيارة كبار مسؤولي الدولة الى الخارج يقع التخطيط لها بعناية دقيقة, إذ يقوم الخبراء في مختلف المجالات بزيارة البلد المقصود مسبقا ,فيقع التفاوض حول الاتفاقيات المزمع عقدها ,والمواقف المشتركة بخصوص بعض المسائل على الصعيد الاقليمي أو الدولي ,ويقع الاتفاق حول الاهم آي البيان المشترك الشهير,فتتم مناقشته فقرة فقرة ,كلمة كلمة,نقطة نقطة ....مسبقا ...,فلا مكان للمفاجئات ,أو لأشياء طارئة......في اخر لحظة....
وهذا ما لم يقع بالمغرب ,إذ تمت زيارة المكلف بالوزارة الاولى الشاهد في فوضى عارمة ,عرض الجانب المغربي بيانا مشتركا ,لم تتم مناقشته والموافقة عليه مسبقا من قبل الجانب التونسي الذي رفضه علنا ,بينما كان يجب أن يدقق فيه ...من قبل …
وهذا في العرف الدبلوماسي يعد خطأ لا يغتفر،وقلة حرفية مخجلة ..لذا رفض العاهل المغربي إستقبال الشاهد ...الذي أفسد علاقاتنا الدبلوماسية مع الشقيقة المغرب ....
الادهى والأمر أن علاقاتنا الدبلوماسية ضربت في الصميم في تلك الفترة ,مع كل من الشقيقتين الجزائر وليبيا,مع إقدام وزير مختل عقلي كما بدا لي ,بإطلاق تصريح سخيف وبالخارج بإيطاليا تحديدا ,مفاده أن "تونس تقع أسفل إيطاليا ,بين الجزائر الشيوعية وليبيا الارهابيه " ,ولم يتم ردعه ,ولم يأخذ الامر بجدية ,مما أثار غضب الرأي العام الجزائري ,واستهجان أطراف ليبية متنفذة..
3/ الخليج:
قام السبسي قبل حوالي شهر بزيارة للسعودية ,ووقع على إتفاقية الرياض ,التي كرست العداء مع كل من قطر ,تركيا ,إيران ,والمقاومة الفلسطينية ,وأدخلتنا في سياسة المحاور التي لم نجني منها إلا المشاكل ...ثم أعلن حيادا باهتا في الازمة ....الموقف الذي أغضب الجميع ,وزاد الملاحظين قناعة اننا غير جديين على الصعيد الدولي .....
هذا غيض من فيض ,فلن أتحدث كثيرا عن سرقة قنصليتنا بليون وضياع المئات من جوازات السفر ...الشيء الذي سيحول حياة التوانسة بالخارج الى جحيم ,فكل تونسي سينظر اليه بكل مطارات الخارج كإرهابي مؤكد,وعن إنهيار سمعتنا بالخارج مع رئيس يخلط بين فرانسوا هولاند وفرانسوا ...ميتران الذي شبع موت منذ زمان .....و ...وسأكتفي بالتالي:
ـ في الانظمة التي تشبهنا ,المكلف بالشؤون الخارجية يعين حصريا من بين الشخصيات الباهتة، والضعيفة جدا، التي تطبق الاوامر فقط…
ـ قطعت الثورة مع هيمنة الحزب الحاكم ومع مبدأ الدولة/ الكعكة التي توزع قطعها بين الاحباب والموالين..وها نحن نراها تعود بقوة بأهم وزارة تتحمل أعباء الدفاع عن مصالحنا بالخارج ,وزارة الخارجية التي أضحت ملكا خاصا للقصر …أتباع القصر ...وحزب القصر …
دبلوماسية البؤس ,وبؤس الديلوماسية…