الاستئصال الناعم: تونس مثالا

Photo

بداية أود أن أؤكد أن التعبير هذا ,"الناعم" ,لا ينطبق على فترة ما قبل الثورة,فالنظام السياسي منذ البداية لم يكن إلا "تونسة للاستعمار" كما وصف ذلك عن حق المناضل جيلبير نقاش,وبناء عليه قام على الجريمة , من الاغتيال الاثم لصالح بن يوسف ,الى القتل الجماعي في الشوارع ضد المتظاهرين خلال ثورات الخبز ,مرورا باضطهاد الطلبة ومختلف المعارضين من كل الطيف السياسي التونسي ,الى المظلمة الوحشية التي لا سابق لها والمتعلقة بالإسلاميين .

بعد هذا التوضيح الهام...لنمر..

لم يكن صدفة قيام أول ثورة عربية بتونس ,فشعبنا قاوم النظام النيوـ إستعماري ,منذ سنة 1955 أي منذ فترة ما سمي ب " الاستقلال الذاتي".,

كان نضالا بلا هوادة بدون انقطاع ,وبشكل مسترسل ...لكن بصفة مبعثرة وغير موحدة,الى غاية منتصف السبعينات ,أين حصل المنعرج الحاسم…

السبعينات التي عرفت بروز"مجموعة الرأي " التي جمعت مختلف المعارضات ..الديمقراطية ,الليبرالية ,الاسلامية ,واليسارية ...والتي شهدت ميلاد "الرابطة التونسية لحقوق الانسان " والانتشارالواسع لأفكار حقوق الانسان ,مناهضة التعذيب ,حرية المعتقد ,حرية التعبير,العدالة الاجتماعية ...ودولة القانون والمؤسسات .

في تلك الفترة ,في تلك الفترة بالذات ,ولدت الثورة التونسية ..في تلك الفترة حكم على النظام التونسي النيوـإستعماري بالزوال....وبدأت الارض تنشق تحت أقدام الطغاة العرب ,وخلخلت أسس المنظومة العربية القديمة بأسرها…

كانت الثورة إذا "مبرمجة " في جينات البلاد التاريخية السياسية ,إن صح التعبير…وانتصرت بصفة باهرة ….وفية لأفكارها الاولى ,التي طرحت جماعيا خلال السبعينات …سلمية ,ديمقراطية ,حداثية ,متجذرة في بعدها العربي الاسلام.

للأسف نتيجة عدة أسباب ,منها أساسا هذا الخلط الشنيع الذي سيحصل بداية الثورة بين مفهوم الفترة الانتقالية التي تتطلب إستمرارية النضال من أجل إستكمال المسيرة ,والفترة الديمقراطية الراسخة والمتجذرة,التي يمكن فيها لعب "اللعبة "الديمقراطية بأمان ,تمكنت المنظومة القديمة من الرجوع بقوة وبكل وقاحة,مستعملة في البداية الحد الادنى من العنف…لكي تصفي حساباتها لا حقا باللجوء الى سياسة الاستئصال الناعم….soft…

وهذا موضوع الحلقة المقبلة من هاته الخواطر الشخصية..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات