يوجد الكثير من اللغط حول فريّة "خيانة المشيشي لقيس سعيّد!" تلك فريّة واهية وحتى مع بطلانها لا يجب أن تقال لأنّها تستبطن العبوديّة، وفي الدول الديمقراطيّة وزمن الحريّة نتحدّث عن خيانة الوطن، خيانة الدولة، حتى خيانة الأحزاب، إذا خان العضو حزبه وباع واشترى مع خصومه، أمّا خيانة رئيس حكومة لرئيس الجمهوريّة هذه دونيّة ما قبل سبعطاش ديسمبر، وأصحابها ينطبق عليهم الحديث الشريف مع استبدال عبارة جاهليّة بعبوديّة، "إنّك امرؤ فيك عبوديّة".
أمّا الحديث عن المقاربة التي اعتمدها المشيشي فلا يتنكّبها إلّا مجادل يبحث عن الانتصار الغوغائي، وإلّا فإنّ سعيّد كلّف المشيشي بتشكيل الحكومة على أساس الفصل 89 ".. يكلّــف رئـيـس الجـمهـورية الشخصـية الأقدر لتكـوين حكـومة"، لم يقل الشخصيّة الأقدر على قيادة الحكومة بل الأقدر على تشكيل الحكومة! إلى هنا الصورة واضحة.
الآن سيطلّ الاختلاف برأسه، بل الخلاف! لكن قبل ذلك دعونا نعود قليلا إلى الوراء، بالتحديد حين كانت إقالة حكومة الفخفاخ تسير بطريقة عاديّة، وبعدها سيتمّ تكليف الحزب الفائز بتشكيل حكومة، وذلك بنصّ الدستور " ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الغالبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشّح بديل لرئيس الحكومة يصادق على ترشيحه في نفس التصويت.."، كلّنا يذكر كيف أنّه وفي لقاء قرطاج بين سعيّد والفخفاخ والطبوبي والغنّوشي، وبعد أن فشلت محاولات إقناع الغنّوشي بعدم سحب الثقة، أنهى قيس سعيّد اللقاء ولكن قبل ذلك أطلق القنبلة! قال بأنّ الفخفاخ قدّم له الاستقالة وانتهى الأمر! والهدف من ذلك إعادة المبادرة للرئيس بدل الحزب الفائز. حينها لم يدخل رئيس الحزب الفائز مع سعيد في سجال وكان الأمر كما أراد الرئيس. طلب سعيّد من الأحزاب إرسال مقترحاتهم عبر البريد ورفض الالتقاء بهم.. أرسلت الأحزاب جملة من المقترحات، تركها كلّها واختار المشيشي!
لنعود الآن إلى الفرق بين الأقدر على قيادة حكومة والأقدر على تشكيل حكومة، الأولى نسبية تخضع للتقييم والثانية حاسمة تخضع للتصويت!!! دعونا مع التصويت الذي هو مدار الأمر كلّه.. خرج المشيشي من قرطاج بالتكليف، طالبه سعيّد بالتوجّه إلى المشاورات مع الأشخاص المعنيّين بالتوزير، قبل ذلك أخبره بنيّته تعيين بعض الوزراء ولم يحدّد العدد.. خلال إعداد القائمة بدأت المشاكل، انزعج سعيّد من تواصل المشيشي مع بعض الأحزاب، في حين طالبه بالتواصل مع نادية عكاشة للتباحث حول الأسماء المقترحة، توصّل المشيشي بقائمة طويلة مدّته بها عكاشة، ليس للمشاورة وإنّما لإدراجها ضمن التشكيلة الحكوميّة، ثمّ شرعت في مراجعته حول الأسماء التي اقترحها هو وتدور حولها المفاوضات. في الأثناء سأل المشيشي إن كان سعيّد تواصل مع الأحزاب لتمهيد الطريق أمام مرور الحكومة، جاء الجواب بالنفي أكثر من مرّة، حينها تيقّن المشيشي أنّ سعيّد أقعده الغرور عن الدخول في مفاوضات حول تسهيل الطريق أمام الشخصيّة التي اقترحها، وأنّه يدفع بالمشيشي إلى المجهول ويستعمله كورقة ضغط على البرلمان إمّا التصويت أو حلّ المجلس!
بعد أيام من التكليف اتخذ المشيشي قراره! شرع في البحث الجدّي عن الــ 109 أصوات وعدم الرضوخ إلى تشييئه واستعماله بشكل مهين كورقة ضغط، ولمّا كان الرفض والقبول من مشمولات البرلمان تحرّك المشيشي باتجاه كلّ الكتل، هنا برزت فكرة ترميم واهية قادتها الكتلة الديمقراطيّة، أرادت أن تجعل من حزام الرئيس حزاما للمشيشي، لكنّهم فشلوا وعرضوا على المشيشي أرقاما هزيلة لا يمكن أن تصل إلى النصاب.. خلال حواره مع الكتلة الداعمة له حاليا تأكّد أنّها قادرة على توفير النصاب وهو المطلوب من الشخصيّة المكلّفة، هنا تجاوب المشيشي مع الدستور بشكل ناجع، فمنطوق الدستور يقول "الأقدر على تشكيل الحكومة" وهل من قدرة على تشكيل حكومة من خارج البرلمان وبالتحديد من خارج سقف الــ 109؟ أبدا.. كلّ الخيارات الأخرى عبثيّة، والسياسة التي يريدها سعيّد محنّطة لا يتواصل، لا يفاوض، لا يتنازل ويناور بغياب المحكمة الدستوريّة، تلك السياسة لا يمكن أن تصل بالمشيشي إلّا إلى ورقة محترقة.
قبل كلّ هذا وبعده فالمشيشي يدرك أنّ الفخفاخ فعل كلّ شيء لسعيّد، لكن في الأخير سقط في باردو ولم تنفعه قرطاج رغم كلّ الحلول الالتفافيّة، عمل سعيّد على إعادة المبادرة إليه ونجح، وذهب الفخفاخ ضحيّة لحسابات الرئيس، سعيّد أيضا لم ينفع وزراءه الذين عيّنتهم نادية، بل لم ينفع أحد أشدّ الموالين له، وزير الداخليّة الذي وقف أمام الأعوان وقال أنّ الرئيس سعيّد هو القائد الأعلى للقوّات الحاملة للسلاح، كلّ القوّات الحاملة للسلاح، في الأخير ذهب شرف الدّين لحال سبيله وظلّ قيس ونادية في القصر.كل الذين استعملهم كسلّم نحو لجانه الشعبية تهشموا وانتهوا الى النسيان، وثلة أخرى في طريقها الى الغياهب.. فيما رفض المشيشي أن يلقى مصير الفخفاخ وغيره، وأدرك انه أمام ظاهرة صوتية صفرية الاسناد.
*مخّ الهدرة باللسان الدارج
سعيّد خربها مع الأحزاب وكلّف المشيشي بتشكيل حكومة وقالو عوم بحرك …
أي الحكومة راو يلزمها 109 سيّد الرئيس وحزامك 38 ما يوصلونيش حتى لمفترق القصبة! شوف كلّم لينا الأحزاب رتّب معاها السير وطمّنهم تو يوافقو…
شكون؟!!! أنا الرئيس نحكي مع الأحزاب عقاب عمري!
أي سيّد الرئيس ما همش باش يصوتو لو كان ما تتفاوضش معاهم أنت والا على الأقل نادية…
أبدا.. أنا فوق الجميع…
وكي ما يصوتوش ليا سيّد الرئيس ؟
كان ماصوتوش ليك هاك مت راجل!!
ياخي مشى المشيشي عاش راجل..
عمل شخصيّة وفاوض وحدو وجاب خير ربّي بحذا 109 من غادي.