قبل الحديث عن المرسوم الكارثي الذي صدر عن قيادة الانقلاب بقرطاج، لا بدّ من الإشارة إلى الطريقة التي يعتمدها سعيّد منذ انطلق في التخطيط المكشوف لانقلابه، ونعني تأخير كلّ القرارات الانقلابيّة الخطيرة إلى منتصف الليل وما بعده!
وهي أساليب لا تتفق والملامح الدّنيا لأيّ دولة ولا نقول لدولة القانون، بل حتى الديكتاتوريّات وبعد البيان الأوّل وعسكرة المؤسّسات تعود إلى العمل في أوقات الدّوام، وحده انقلاب جويلية يجتمع ويقرّر ويصدر قراراته في أواخر الليل.. مرسوم يُنشر في السّاعة الثالثة صباحا لا يمكن أن يصدر عن مؤسّسة دولة وإن كانت شموليّة فجّة، هو مرسوم العصابات والقراصنة.
أمّا المرسوم نفسه فلا يستحق الإطناب في الحديث عن فصوله، لأنّ الدّول العسكريّة الشموليّة لا يمكنها إصدار مثل هذه الخزعبلات التي حوّلت المشهد القضائي بكلياته وتفاصيله إلى شخص واحد جمع سيلا من السلطات والمهام قد لا تجتمع لفرعون وهولاكو.
سعيّد هو من يعيّن، سعيّد هو من يعزل، سعيّد هو من يوقّع على القرارات، سعيّد هو من يراجع القرارات، سعيّد هو من يمنع الإضرابات! وليس الإضرابات فحسب وإنّما كلّ عمل جماعي! وتحت هذه العبارة الفضفاضة يمكن لسعيّد أن يمنع حتى تجمهر أكثر من قاضيين اثنين في المحاكم وربّما حتى في سائر الفضاءات.
ما أصدره سعيّد لا يمكن تسميته بالكارثة، لأنّ الكارثة تأخذ طابعا جديّا، بل هي أقرب إلى المهزلة والشطحات الكلونيّة التي إن مرّت ولم يقف لها أحرار تونس ستحوّل بلاد رفعتها ثورتها إلى عنان السّماء، ستحوّلها إلى مسخرة تتندّر بها الدّول والشّعوب الأخرى.