عندما يلتقي الفرقاء أو الشّركاء على مائدة العشاء لحلّ قضيّة وطن ثمّ يتمّ الحديث عن تقارب وجهات النظر حول أداء الفرق التونسيّة في البطولات الأفريقيّة، أو أيّ من المسائل الأخرى الغيرعالقة، حينها تصبح كلّ القضايا التي لا تمسّ الأصل باطلة، وأنّ الباطل لا يغني عن الحقّ شيئا.
لا ندري إن كان رئيس البرلمان أو رئيس الحكومة اجتهدا في التطرّق إلى الأصل والفصل ورئيس الدولة تجنّب أو ماطل أو تجاهل.. لكن ما ندريه أنّ الفشل وليس غير الفشل يصلح كعنوان لـ اللقاء، لأنّنا بصدّد رئيس برلمان يتعرّض المجلس الذي يرأسه إلى مؤامرة قبيحة، والذين يحشدون للمؤامرة يقولون أنّهم من أنصار الرئيس وأنّهم يسعون إلى حلّ البرلمان لصالح الرئيس وأنّ هدفهم اختزال الرؤساء الثلاثة في رئيس واحد، وإلى ذلك من الدّعوات التخريبيّة التي تحاول استنساخ الانقلاب المصري بعيدا عن الجيش قريبا من وصفة اللّجان الشعبيّة الغبية.
من هنا وأمام هذا العبث الذي تواجهه التجربة التونسيّة الرائدة عربيّا، أصبح لا فائدة من أيّ حديث آخر مع الرئيس غير حثّه على إصدار بيان عاجل وتفصيلي يتنصّل ويتبرّأ ويستنكر وينأى بنفسه عن كلّ هذه الدعوات الإجراميّة المموّلة إماراتيّا والتي تستهدف التجربة في مقتل.
أمّا أن ترفق الرئاسة على صفحتها بيانات حول نشاطات وحركات وسكنات الرئيس الذي دشّن والتقى وشجّع وأعطى وأوصى.. وتتجاهل الكارثة الإجراميّة التي تنسبها صفحات وشخصيّات وحساسيّات إلى الرئيس، فهذا نوع من الاستغفال الهجين!!!
أن يثور الرئيس ويتوعّد في قبلّي لأنّ قوانين يعدّها المشرّع التونسي تستهدف السياحة الحزبيّة في حين لا يعنيه الأمر من قريب ولا من بعيد ولا يندرج تحت صلاحياته، ثمّ يسكت على انقلاب مموّل من جهات أجنبيّة تديره عصابات مارقة معادية للثّورة، وتتحرّك باسمه وتعلن أنّ التعبئة تتمّ تحت سمو عنايته، ثمّ لا ينفي ذلك تصريحا أو كتابة أو حتى تلميحا!!!! هذا يعني أنّ العشاء فشل وأنّ الرئيس اجتمع بباردو والقصبة للمزيد من الدعاية لقرطاج على حساب ثورة وتجربة!
كما يعني أن الرئيس سيتابع مجريات المهزلة الانقلابية، إذا اشتد عودها باركها واستنفع بثمارها الحرام، وإذا وأدتها كاسحات ديسمّبر كما وأدت غيرها، تبرّأ وتنصّل! وهو يدرك ونحن ندرك أنّ عصر المخاتلات انتهى وأنّ منسوب الذكاء أصبح فوق التفحيج القديم، قدّم هنا لعل والأخرى هناك عسى……!
لو لم تكن دعوات الانقلاب والفتنة تصدر باسم الرئيس، لأمكن أن نتحدّث عن العشاء النّاجح، أمّا وأنّها تغرق الفضاء باسمه، ثمّ لا من مجيب، فذلك هو الشكّ حين يأتيه المدد من الريبة! لا بل إنّ الصفحة الرسميّة للرئاسة، أطلّت وتطلّ علينا بالعناوين التالية " استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد اليوم الأربعاء 13 ماي 2020 بقصر قرطاج وزير الداخلية السيد هشام المشيشي" ثمّ سبق ونشرت "تولى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة قيس سعيّد، اليوم الأربعاء 13 ماي 2020، بقصر قرطاج، ترقية العميد بالبحرية عادل جهان إلى رتبة أمير لواء بالبحرية بمناسبة تعيينه رئيسا لأركان جيش البحر"…
كما نشر الموقع تفاصيل عن إفطار الرئيس في ثكنة بوشوشة!!!!! ولا شيء عن الفتنة التي تحاك ضد التجربة باسمه، ولا شيء عن لقاء الرؤساء الثّلاثة في وقت تتعرّض فيه تونس إلى مؤامرة بأدوات داخليّة وشراكة إقليميّة، ويقصف فيها رئيس الدولة التونسية بقيّة المؤسّسات السياديّة للدولة التونسية.