رغم أنّ الأمّم المتّحدة لم تفرج بشكل رسمي عن تقريرها الطويل الذي تمّ إعداده من قبل مجموعة من كبار الخبراء، إلّا أنّ ما تسرّب منه يؤكّد أنّ الإمارات حين تبنّت ميليشيا المشير خليفة حفتر لم يكن هدفها فقط إسقاط ثورة سبعّطاش فبراير وإضعاف الثّورات العربيّة وكذا الاقتراب من حدود ثورة سبعّطاش ديسمّبر المستعصية على الاقتلاع ومحاولة تفكيكها من مسافة قريبة، وإنّما كان هدفها الاستراتيجي البقاء في ليبيا إلى أمد طويل! احتلال تسعى إلى تثبيته بالأسلحة والخبراء الروس وتستعين بالجيش المصري والمرتزقة من عدة دول وبمساعدة من الشّركات العالميّة.
آخر ما تسرّب من التقرير الذي وصفته بعض الدوائر بالرهيب، جانبا من ترسانة الأسلحة، التي دفعت أبو ظبي ثمنها وأرسلتها إلى ليبيا، وتتمثّل في أنظمة دفاع جوي روسيّة من طراز "بانتسير-إس1 " بـ14,7 مليون دولار، ومروحيّات "سوبر بوما"، ثمنها 15 مليون دولار تمّ شراؤها من دولة جنوب إفريقيا، وطائرات مسيّرة من نوع "يبهون" بـ25 مليون دولار، وطائرات مسيّرة مسلّحة روسيّة من طراز "أورلان"، وسرب من طائرات نقل الأفراد روسيّة الصّنع من طراز "أنتونوف أن-26" و"إليوشين إل-76"، وطائرات مسيّرة مسلّحة صينيّة من طراز "وينغ لونغ" بمليوني دولار، وصواريخ “بلو أرو 7” صينيّة، وصواريخ "GP6"، وصواريخ "هوك" أمريكيّة الصّنع وناقلات جند مدرّعة، وصفقة مروحيّات اشترتها أبو ظبي لخليفة حفتر من دولة بيلاروسيا. إضافة إلى 6 مقاتلات إماراتيّة من طراز “ميراج 2000-9” إلى جانب معدّات عسكريّة جويّة ومركبات مدرّعة وأسلحة ثقيلة.
وجاء في التقرير أنّ شركة إماراتيّة أسّست شركة واجهة في الأرّدن، مهمّتها إسناد خليفة حفتر استعملتها لشراء 6 مروحيّات وقاربين لشنّ هجمات على السفن التي تمرّ قرب السّواحل الليبيّة. وأفاد التقرير أنّ أبو ظبي استعملت مئات من طائرات الشّحن لنقل مختلف الأسلحة إلى ليبيا، وأشار التقرير إلى هيمنة أبو ظبي على القواعد الجويّة، ما يدعم شكاوي سابقة صدرت من مقرّبين من حفتر، أكّدت أنّ الإمارات أدخلت تعديلات كبيرة على قاعدتي الجفرة والخادم الجويّتين، ولا تسمح بإطلاع ميليشيات حفتر عليها ولا إشراكهم في النّشاط الذي تشرف عليه خاصّة داخل قاعدة الجفرة.
وتعتبر قاعدة الجفرة نقطة ارتكاز بالغة الأهميّة، فهي التي تسهل العدوان القادم من بنغازي تجاه طرابلس، أمّا قاعدة الخادم الجويّة فتقارب مساحتها 15 كيلو مترا مربّعا، وتضمّ عددا من الطائرات الروسيّة والإماراتيّة والفرنسيّة، وتقوم بالأساس على حماية معسكر الرّجمة، المعقل الرّئيسي للمتمرّد خليفة حفتر.
كلّ هذه الأموال الرهيبة التي صرفتها الإمارات وكلّ ذلك الإنزال والاحتلال والإصرار على تمكين شركة موانئ دبي العالميّة من الهيمنة على جميع الموانئ الليبيّة، كل ذلك دفع الإمارات إلى القيام بمحاولة أخرى في الخاصرة الليبيّة، حين عاودت السعي لإسقاط التجربة التونسيّة أو أقّله تغيير السلطة الشعبيّة في تونس بسلطة نفطيّة مؤدلجة، يمكن لــ أبو ظبي استعمالها في اقتحام طرابلس، هذه المرّة بالتعاون مع الجار الغربي"تونس" بعد أن فشلت كلّ محاولاتها القادمة من الشّرق الليبي، وبعد أن فشلت جهود الجار الشّرقي"مصر" في تحقيق تقدّم يذكر، تأتي الهجمة على تونس أيضا في سباق مع الوقت! فالجزائر التي تستعّ إلى تغيير دستورها وتحرير حركة الجيش المقيّدة بالدّاخل فقط، أصبحت تزعج المخطّط الإماراتي، والأكيد أنّ الانقضاض على تونس من خلال التمكين لقوى موالية سيضعف الانّدفاع الجزائري الذي بات يتململ قلقا من إمكانيّة هيمنة شركاء حفتر على ليبيا.
وكمدخل لعمليّة جديدة في تونس، شرعت الإمارات في دكّ التجربة.. استهدفت أوّلا مجلسها التشريعي وجعلت من رئيس المجلس ورئيس الحزب الأوّل في البلاد ورئيس الحزب الذي رافق التجربة طوال 10 سنوات، جعلت منه المدخل لعمليّة تبدو واسعة ومتشعّبة، فقد نصبت منجنيقها بكثافة على الغنوشي، استهدفته من الخارج ومن الداخل.
تدرك أبو ظبي ان التجربة التونسية مستعصية، لذلك لا تستهدفها بالجملة ولكن بالتفصيل، تسعى الى إبعاد الغنوشي بوصفه الشخصية الأكثر مرافقة للانتقال الديمقراطي وزعيم حزب الإسناد، تسعى أيضا الى خلخلة النهضة كعصب للتجربة السياسية في تونس، ثم المجلس التشريعي كمؤسسة جامعة تمنع من محْورة القرار واختزاله وتجميعه في يد واحدة تسهل معها عمليات الاغراء والمساومة والاستدراج، تدرك الإمارات ومَن خلفها أنّ إسقاط التجربة الديمقراطيّة التونسيّة واختزال السلطة في شخص يهيّمن بأشكال دكتاتوريّة أو التفافيّة سيمكّنها من تهشيم هيبة الثّورة وهيبة الدّولة وهيبة التجربة، ويسمح بالدخول في مساومات مع شخص أو سلطة فاقدة للهيبة الشعبيّة فاقدة لهيبة الصناديق.. الكلّ يدرك أنّ المفاوضات مع الخونة تؤدي إلى 12 ماي 1881 وأنّ المفاوضات مع الأحرار تؤدّي حتما إلى 17 ديسمبر 2010.