لم تمر المنطقة العربية بانتخابات رئاسية يلفها الغموض"غموض التنافس" مثلما هو الحال في انتخابات تونس 2019، لا أحد يمكنه التكهن الجدي بمن سيعبر الدور الاول، إذْ لا نتحدث عن حظوظ التتويج النهائي، كما لا نتحدث عن مرشح يملك الحظوظ الوافرة في المرور الى الدور الثاني بينما الغموض يلف بقية المتراهنين، بل ليس من السهل على كبار الخبراء والمحللين والمتابعين تسمية شخصية واحدة يمكنها المرور بسهولة الى الدور الثاني، ربما تسنى ذلك لو راهنت النهضة بشكل مباشر و ودفعت بأحد قياداتها، حينها يمكن حسابيا مروره إلى الدور الثاني ليس أكثر، بحكم الحاضنة الانتخابية المستقرة للحركة نسبة لغيرها.
صحيح ان الكثير من المترشحين توافدوا على السباق بغرض الإثارة والشهرة والتوثيق ورغبة في حيازة لقب المترشح السابق للرئاسة وغيرها من الرغبات وربما الاجندات، لكن العديد من الشخصيات دخلت المنافسة بنية الفوز بمنصب رئيس الجمهورية، من المرزوقي الى قيس سعيد ومن القروي الى الشاهد والزبيدي ومنهم الى سيف الدين مخلوف وعبير موسي وصولا الى المهدي جمعة مرورا الى حمادي الجبالي، كل هذه الكوكبة تطرح نفسها بجدية وتراهن على ساحة فقدت الانحياز الكلي كما سنة 2011 وفقدت الاستقطاب الكلي كما 2014، فهي هائمة تبحث عن إبرتها في كوم من "المتقـــشحين".
يراهن المرزوقي على هبة دراماتيكية تغادر فيها القوى الثورية تلك الشخصيات الثورية الغير عميقة لتلتحق به كأحد أبناء الثورة العميقة، ثورة المخاض ما قبل سبعطاش ديسمبر بكثير وليس ثورة الإنجاز ما بعد سبعطاش ديسمبر بقليل..
يراهن نبيل القروي على تطوير مفهوم "بيننا ماء وملح" الى مفهوم بيننا مقرونة وزيت، لا يهم ان كانت مقرونة جارية او بالصوص، سباغيتي او ببوش، المهم ان تكون مقرونة قادرة على التحشيد، مع جرعة من الزيت تؤزه نحو الهدف، يحلم المُحسن الكفــــــــــــــارجي بالوصول الى الضاحية الشمالية ومن هناك يمكنه تسوية الكثير من العالق الخطير!!!
تراهن عبير موسي على صحوة قوية وهبة مؤطرة لكل ابناء وبنات النهضوفوبياء والاحتشاد خلفها في لحظة فارقة تقفز بها من مناشدة مغمورة لبن علي الى ملكة تجلس على عرش بن علي، فهي إذا بلقيس بلا سليمان يدعوها ولا هدهد يلقي عليها الكتاب، وحين تفقد بلقيس سليمانها تصبح حتما سجاح مسيلمة…
يراهن الزبيدي على تركة السبسي الكبير وشهوة السبسي الصغير، كما يراهن على طفرة الصمت التي تطبع شخصيته، فالشعب ملّ من حكايات الساسة ومرويات الزعماء، يراهن الزبيدي على البهتة، على الفجوة، على لحظة ذهول انتخابي بل لحظة " folle confiance" تمكنه من تنفيذ المرور السلس أمام الجمع المذهول، نحو القصر الذي يعيش تحت الذهول…
يراهن الشاهد على تجربة القصبة وعلى انتصار حققه على حساب سبسي الحنكة والتجربة، يراهن على معركة على الفساد خاضها عرجاء عوراء، تزج بشفيق الى زنزانة بلا جراية، وتقدم المبروك لمبروك، تفتح الموانئ والمطارات في وجه مروان ولد علي ، مروان صهر بن علي، وتغلقها في وجه تجار الشنطة.
تعيش تونس على وقع انتخابات شاردة بلا لجام، ترفض حتى مد كفها ليقرأ المنجمون وقراء الكف، يخيم الانتظار وتمور الريبة في أركان الوطن القلق، تخشى تونس الكثير من المحاذير، والكثير الكثير من الأجندات المفزعة، لا تخشى تونس من دخول القصر بدبابة فتلك دكتاتورية يمكن مقاومتها بالشعوب الحية التواقة للحرية، وإنما تخشى تونس من دخول القصر بالمقرونة، تخشى أن يقال ثورة 25 يناير أسقطتها دبابة وثورة سبعطاش ديسمبر أسقطتها مقرونة!!!
تلك فضيحة لا تقاومها همم الشعوب.. انه وفي الكثير من الأحيان قد يكون العجين الڤارص، اخطر من بنادق الانقلابيين...حفظ الله تونس.