مشهد لا يمكن أن نعثر عليه في أي ديمقراطية في العالم، مشهد تعودت عليه تونس فقط لا غير، هنا في هذه التجربة التي نجاها الله من دماء ودمار التجارب الاخرى، ورغم اننا أفلتنا من الدم ومن العسكر ومن البيان الأول ومن تحريك الوحدات باتجاه الضاحية الشمالية، إلا ان غرائب مثل التي شاهدناها مساء 15 فيفري في قصر قرطاج، تؤشر الى ان تجربتنا مازالت فتية وان القوى الوازنة المؤتمنة على التجربة عليها ان تبذل المزيد حتى تتجنب هكذا مشاهد شاذة وخارجة عن سياق المنطق والعقل والذوق!
كيف لا ونحن بصدد حكومة تعني بالدرجة الأولى الحزب الفائز وتعني بالدرجة الثانية رئيس البرلمان بما أن البلاد تعتمد النظام الشبه برلماني، وبما ان السيد رئيس الجمهورية لديه صلاحياته كاملة في قصر قرطاج ولا أحد ينازعه الأمر، وبما ان السيد الامين العام لاتحاد الشغل لديه صلاحياته النقابية كاملة لا أحد ينازعه الأمر ، بل هو من ينازع الساسة أمورهم بلا صفة وبطرق فجة مسقطة، وبما ان رئيس منظمة الاعراف لديه صلاحياته كاملة وغير منقوصة بل تتم استشارته في مسائل سياسية ليست من اختصاصه، وبما ان السيد الفخفاخ تصدر نتيجة تفريعة دستورية لا دخل لها بالجماهير ولا بالصناديق ولا بأي من المجهودات الانتخابية الحزبية الشعبية، رغم ذلك يجتمع هذا الرباعي في وقت دقيق وفي القصر الأول في البلاد دون توجيه الدعوة لرئيس الحزب الأول والمعنى الأول بالحكومة ورئيس البرلمان المعنى الأول بترتيبات تتم في نظام شبه برلماني.
أي نعم تمت دعوة الغنوشي الى لقاءات اخرى وذهبت اليه شخصيات معنية الى مقر البرلمان، لكن غيابه عن المشهد المفعم بالرمزية الذي يشبه الى حد بعيد في لحظته وفي سياقه اجتماعات مجلس الأمن القومي، هذا الغياب يطرح الكثير من الاسئلة، ويحيل صورة الرباعي الى العبث المجاني والاستعراض الممجوج،
يدرك الرئيس قيس سعيد وهو العالم بروح الدستور ان الفصول والفقرات التفصيلية التي وردت للمعالجات الجانبية والتهذيب والضبط لا يمكن ان تجتاح الاصل وتستعبد النظام البرلماني وتقزمه وتهمش رموزه، ومن ثم تستأثر بلحظة رباعية شاذة عن طبيعة نظام الحكم، ثم يترهل المشهد أكثر حين يأتي طبوبي الاتحاد وسمير الأعراف للتباحث في شأن يخص البرلمان ويخص الحزب الأول في البلاد!!!!!!
قيل أن الثلاثي اجتمع لأمر مهم، ثم التحق بهم الفخفاخ عن عجل!!! ماهذا التأليف الركيك؟ ما هذا الإخراج الرث؟ هل فعلا يعتقد الرئيس أنه يمكن استعمال طبوبي الاتحاد وسمير الأعراف كأسلحة ردع؟ خاب المسعى إذا!
لعل سطوة الرباعي على الصورة، يشبه الى حد كبير العرس الذي تصدر فيه "الطباخ والمزاودي ومولى الباش وخالة العريس" احتلوا المنصة، يلتقطون الصور ويتلقون الهدايا والتهاني، بينما العروس في المطبخ تساعد امها وتمعن في تعصيب راسها والعريس في آخر القاعدة يبحث عن كرسي ليرتاح قليلا قبل ان يعود الى البطوار لجلب "الذبائح"!
انها السياسة حين تفقد مداركها العقلية، وهي أيضا لعنات العاشر من جانفي تلاحق أولئك الذين أجهضوا الحمل الطبيعي، وتجمعوا بمكر وخبث وغباء يطلبون طفل الانابيب!