لا نتحدّث عن رئيس المجلس التشريعي فهو يدرك حقيقة الأفاعي التي يلاعبها منذ 10 سنوات، نتحدّث عن قيس سعيّد عن الفخّفاخ المحاط بكتل الغباء والكراهية، يجب على رئيس الجمهوريّة، يجب على رئيس الحكومة، بل يجب على كلّ التونسيّين المشفقين على انتقالهم وثورتهم وقبل ذلك وطنهم أن يتابعوا أطوار المعاناة التي يعيشها المغرب الشقيق، وكيف يسعى محمّد بن زايد إلى ابتزاز هذا البلد العريق ويستخدم كلّ الوسائل والسبل المدمّرة والحقيرة في تركيع مغرب الأصالة والعراقة الضّاربة في التّاريخ، يفعل كلّ ذلك فقط لأنّه يعتقد أنّ المغرب أفرط في الخروج عن طوعه! مرّة حين نفّذ تجربته السّياسيّة وأشرك الإسلاميّين وأخرى حين رفض محمّد السّادس أن يتحوّل إلى محمّد بن سلمان جديد يأتمر بأوامر أبو ظبي، وبالتالي استنكف من التخنّدق مع دول الحصار ضدّ قطر.
أمّا أن تنحاز المغرب إلى رباعي الحصار، وتعتذر عن رفضها للطلب الإماراتي وتجنح إلى الحياد، وإمّا أن يواصل محمّد بن زايد حربه المدمّرة على المغرب، ولا يستثني أيّ شيء بما في ذلك وحدة التراب المغربي، وكنوع من التركيع ذكرت قناة العربيّة أنّ المغرب قام بغزو الصّحراء بعد انتهاء الاستعمار الإسباني، ثمّ تمّت استضافة زعيم جبهة بوليساريو على قناة الحرّة التي تبثّ من الإمارات، ومن دبي يعلن زعيم البوليساريو عن عزم جبهته العودة إلى العمل المسلّح ضدّ المغرب "إمّا الرضوخ أو إشعال حرب أهليّة في المغرب" قبلها كان محمّد بن زايد دخل في حرب ضدّ اتفاق الصخيرات انتهى بدعوة حفتر إلى الإعلان عن موت ذلك الاتفاق.
حرب أخرى فتحتها الإمارات على الأئمة المغاربة والمساجد والمراكز الإسلاميّة التي تديرها الجالية المغربيّة في فرنسا، يسعى بن زايد إلى إقناع باريس بأنّ نوعيّة التديّن الذي تنتجه تلك المراكز يتسم بالغلو، وضُخّت الأموال الرهيبة لاستنساخ معركة فرنسا في دول أخرى مثل هولندا وبلجيكا وإسبانيا، وأصبحت الإمارات تلاحق منابر الدّعوة هناك وتصفها بالتطرّف.
ثمّ فجأة تطوّر الأمر عبر منصّات التواصل الاجتماعي وخاصّة النشطاء والصفحات الإماراتية التي تضخّ على تويتر، وأصبح شبح المجاعة يخيّم على المغرب"هكذا قالوا" وانتشرت التدوينات التي تتحدّث عن عزلة الملك وإحباطه وسيطرة الإخواني سعد الدّين العثماني على السلطة وزحفه على صلاحيّات محمّد السّادس.. لتكتشف السلطات المغربيّة أنّ شركات مصريّة بتمويل إماراتي أشرفت على عمليّات التشويه المركّزة التي استهدفت البلاد.
دأ الخلاف الإماراتي السّعودي من جهة والمغربي من جهة أخرى بشكل رسمي بعد أن تيقن بن زايد أنّ الملك يتجه نحو انتخابات فعليّة وليس عمليّة تمويه للامتصاص والتعويم، ويبدو أنّ بن زايد فهم بعض تصريحات الملك السّابقة بشكل خاطئ وعلى أنّها تطمينات تخصّ منع الإسلاميّين من الوصول إلى رئاسة الحكومة، الأمر الذي يرفضه بن زايد بشكل مطلق خاصّة في المغرب التي تقع ملكيتها تحت المظلّة الاعتباريّة للملكيّة السّعوديّة والتي بات يتحكّم فيها محمّد بن زايد بعد سيطرة محمّد بن سلمان على السلطة هناك.
وحول الطريقة التي يعمل بها جهاز محمّد بن زايد لاختراق المشهد الإعلامي العربي أعدّ موقع الصحيفة المغربيّة تقريرا مطوّلا جاء فيه:
" أدركت الإمارات، متأخرة أن "الإعلام البديل" من خلال المواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت الأساس والشرارة الكبرى والمؤثرة في الشعوب لإفراز ثورات "الربيع العربي"، التي أسقطت العديد من الأنظمة في المنطقة، كما استوعبت، ولو بمنطق "كسول" أن كل المنصات والقنوات والجرائد التي صرفت عليها ملايين الدولارات لـ"تدجين" شعوب المنطقة، لم تكن مؤثرة بالشكل الكافي لـ"قمع الحقيقة"، وإعادة انتاج الواقع برؤيتها، لذا، اعتمدت تصورا جديدا يعتمد على شراء جزء من رأسمال مواقع الكترونية في العديد من الدول العربية، أو دفع الملايين للتحكم في المحتوى الذي تنشره هذه المواقع التي تعتبر مؤثرة في بلدانها.
لهذا الغرض، كلف ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، مستشاره للأمن الوطني، طحنون بن زايد آل نهيان، وعقل جهاز المخابرات في هذه الإمارة الخليجية، بصياغة رؤية صناعة "قوة ناعمة" للدولة، في الخارج، حيث بدأ جهاز طحنون يستقطب الصحافيين ويرسم معالم التوجه الإعلامي الموجه للإمارات تحت غطاء وزارة الإعلام، التي كان يديرها فعليا جهاز طحنون المخابراتي.
كانت الخطة ببساطة، هي إعادة "صناعة الفوضى" و"الاستثمار في بؤس الناس" من خلال تسطيح عقولها بمحتوى يبعدهم عن السياسة، ويقدم لهم إعلاما موجها برؤية واحدة لتفادي أي "قنبلة زمنية" لموجة ربيع عربي ثان، فكان الأساس الذي رفعه جهاز طحنون، لتنفيذ هذه الخطة هو: "إجعل الدرهم الإماراتي يَصرخ"!
ولهذا الغرض، وضعت ميزانية ضخمة تحت تصرف جهاز طحنون لشراء أسهم وجزء من رأسمال العديد من المواقع في كل من مصر وتونس وبدأ التفاوض داخل المغرب على ذلك أيضا، لتكون هذه المواقع صوت الإمارات الخارجي ولتمارس "القوة الناعمة" في تجميل صورة أبو ظبي، وتوجيه سهام النقد للإسلاميين، من الخليج إلى المحيط.
وليبدأ العمل فعليا، نظمت الإمارات، شهر مارس سنة 2015 في دبي، تجمعا لـ"رواد التواصل الاجتماعي العرب" حضره 1500 إعلامي ومؤثر في الإعلام البديل، حيث استقبلهم، شخصيا، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي.
كل الحاضرين في هذا التجمع دُفعت تكاليف حضورهم، بالكامل، من تذاكر الطائرة إلى الإقامة في فندق من خمس نجوم، إلى غلاف مالي وجده كل مشارك عند دخوله لغرفته، حيث عمدت الإمارات لشرح رؤيتها المستقبلية، ومحاولة استقطاب أغلب المؤثرين في "الديجيتال" في العالم العربي.
من الحاضرين لهذا التجمع كان هناك العديد من المدونين، وكذا الصحافين وبعض مدراء المواقع الإلكترونية المغربية.
في هذا اليوم بالذات، وضعت خطة للتفاوض من أجل الدخول إلى سوق الإعلام المغربي، بحيازة جزء من رأسمال مواقع إلكترونية معينة، ومحاولة التأثير في بعض الصحافيين من خلال عوائد مالية، أو تدبير إقامات في دبي، وكذا تنظيم سفريات منتظمة، ومدفوع تكاليفها مسبقا إلى الإمارات، نظير تصريف العديد من المحتوى الإماراتي للقارئ في المغرب، وهو المحتوى الذي يكتب أغلبه في أبو ظبي، ويصل للمعنيين جاهزا من أجل نشره!".
تلك ومضة على صنائع بن زايد مع المغرب، فعل وما زال يفعل أكثر من ذلك رغم العلاقات الطويلة والمصالح المتشابكة بين البلدين، سلوكات تؤكّد أنّ محمّد بن زايد لم يعد يهتم كثيرا للخسائر الماديّة بقدر اهتمامه بتركيع الأنظمة واحتوائها لتنفيذ مخطّطاته الإقليميّة المدمّرة. لذلك قلنا بأنّ عرّاب صفقة القرن لم يهاتف الرئيس التونسي قيس سعيّد من فراغ، وإنّما هو هاتفه الهاتف الأخطر منذ الثّورة، هاتف العروض والتركيع والاستدراج، ولا نخال قيس يفعلها ويستجيب، وإن فعل واستجاب! يدرك قيس ويدرك بن زايد وبن سلمان وضبع طبرق ومن لفّ لفّهم، يدرك الجميع أنّ سبعّطاش ديسمّبر لحمها مرّ.. ما يتمضغش... ما يتاكلش.. ما خلقتش الحنجرة الّي تقدر تبلعو…