نؤكد بادئ ذي بدء في كل ما يعني آداب المسجد على ضرورة أن يلتزم » الأئمة الخطباء » في خطبهم بأخلاقيات الخطاب الديني وبآداب المساجد والجوامع التي تقوم على الموعظة الحسنة الراشدة ودرء المفاسد والابتعاد عن النيل من أعراض الناس. كما نؤكد دائما على عدم التعرض في فضاءات بيوت الله لكل ما من شأنه أن يعني التدخل في توجيه الحياة السياسية والاكتفاء بالجانب الديني في خطبهم والابتعاد عن الدعوة إلى التحزب وإشاعة الفتن واستغلال بيوت الله لغايات خارجة عن مشمولاتها..
إن فضاء المسجد فضاء الاستماع دون نقاش أي الإذعان والطاعة ولذلك كثيرا ما يلتبس في هذه الأحاديث والخطب المسجدية القول الإلهي في قدسيته بالقول البشري الذي يتوسل بالدين والقداسة ليتسلل عبره إلى خطاب السياسة الذي يتنكر في ثوب الواعظ النزيه الغيور على دين الله الذي يتهدده » الكفرة والعلمانيون » ذلك امر نحذر منه دائما كما نحذر من أن يستغل الإسلام السياسي في تونس أو في غيرها المسجد من اجل أغراض سياسية.
هذا رأينا في ما يخص الأئمة الخطباء الذين تعينهم الدولة لأداء وظيفتهم الدينية والذين يمكن استخدامهم من هذا الحزب او ذاك .فما بالك بما يمكن إن يفعله السياسي أو يقوله في بيت الله إذا دخله بغرض الصلاة كأحد المصلين ليس له أية مزية على الآخرين أو أي تفوق عليهم ثم يتحول بقدرة قادر يحميه البوليس إلى خطيب عوض الخطيب الرسمي و إلى واعظ دون الواعظ المخول رسميا لذلك وبلا أية مناسبة رسمية يستدعيها المقام ؟ كما وقع ذلك بالأمس في مسجد حي الانطلاقة بمناسبة أداء رئيس الجمهورية لصلاة الجمعة هناك واستغلاله المناسبة للحديث مع المصلين في غرض سياسي يلتبس فيه الخطاب بالوعظ الديني آو الأخلاقي.
إن السياسة التي تدخل المسجد عبر المسؤول السياسي المتمتع بالحصانة و الذي يتحول إلى خطيب تريد أن تستهلك فضاء المسجد فتمتلكه في حين يحرم على غيرها استعماله لنفس الغرض كما أن السياسي المحمي بالبوليس يريد احتكار الفضاء المسجدي ومصادرته وقد يفرض عليه إن لم يتصد ّ له المجتمع عادات غريبة عنه وعن السياسة في تونس تخرجه عن وظيفته حين تخضعه إلى أفكار وتصورات هي جزء من صراعات سياسية ومعضلات حزبية قد نتفق حولها وقد لا نتفق.
انه من واجبنا جميعا أن نشير إلى الفرق بين المسجد والفضاء السياسي فالمسجد للعبادة ولتعليم قواعد الدين السمحة ومكارم الأخلاق أما الفضاء السياسي فهو للمنافسة السياسية التي لا قداسة فيها وللصراع من أجل السلطة بما يحمله أحيانا من عنف قد يصل درجات قصوى . كما أنه من واجبنا إن نلتزم اليوم بما أقره دستور الثورة في فصله السادس إذ « الدولة كافلة لممارسة الشعائر الدينية ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي « .
ببساطة أن رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يردد انه حارس للدستور ويقيم الدنيا ولا يقعدها من اجل فصل من قانون حسم في لا دستوريته وحده لنفسه وبنفسه هو بصدد انتهاك الدستور انتهاكا صارخا . وان من يتناسى الأصل في الحادثة التي وقعت أمس في مسجد حي الانطلاقة وهو استغلال قيس سعيد المسجد من اجل إغراض لا علاقة لها بوظيفة المجسد ويبحث عما جد فعلا بينه وبين الشخص الذي واجه الرئيس بحسب ما أوردته كثير من المواقع هو كمن ينسى الأصل من اجل الفرع أو كمن يشرع للفوضى المسجدية بوعي منه أو دون وعي.
ما فعله رئيس الجمهورية يحتاج إلى إدانة صريحة وإلا فإننا ذاهبون إلى العبث والفوضى داخل بيوت الله .. فخطأه أضعاف مضاعفة من خطا صحيح آو مزعوم لرجل « مدسوس» بحسب قراءة البعض المحايدة جدا أرسل إلى رئيس الجمهورية ليسيء إلى مقامه الرفيع.
ولكن ماذا لو كان مخطط الرئيس في نهاية التحليل هو توظيف المسجد لغرض السياسة تماما كما يفعل « الخونة و المنافقون » الذين يشير إليهم في خطبته في حي الانطلاقة وفي قصره الذي تحول إلى منبر للمبارزة ضد الأشباح والشياطين.