كتب الأستاذ صلاح الدين الشريف تعقيبا على مقالي حول ما وقع في كلية الاداب بمنوبة يوم 26 افريل من افساد ندوة علمية والاعتداء بالعنف على بعض السياسين الذي حضروها بصفتهم مواطنين تونسيين جاؤوا للاستفادة من خبرات الجامعيين دون اية صفة رسمية وهذا ما كتبه اسفل مقالي في اسطرلاب والذي حمل عنوان »احداث عنف في اعرق كلية اداب في تونس : الساكت عن الحق حيوان اخرس»
ليست الجامعة دار ثقافة مفتوحة لكلّ المواطنين. مؤسّساتها مؤسّسات تدريس وبحث. ولن تستفيد الدمقراطيّة بتغيير وظيفتها العلميّة والتعليميّة. إن كانت الحرّيّة الأكاديميّة تعني في ما تعنيه أنّ للباحث الحرّيّة في أن يبحث في جميع المواضيع الممكنة، فهي تعني قبل كلّ شيء المسؤوليّة في الالتزام بالمناهج العلميّة الكلّيّة، والعمل تحت مراقبة الأخلاقيّات العلميّة والتعليميّة، وعدم التسيّب والتنازل أمام الضغوط الخارجة عن مقتضيات المعرفة العالمة. وأخطر هذه الضغوط، كما بيّنه تاريخ العلوم، مأتاها المعتقدات الدينيّة والنزعات السياسيّة. ومن واجب كلّ جامعيّ مدرّس أو باحث أن يعلّم المتعلّم كيف يتعامل مع المتديّن والسياسيّ بحزم واحترام.وعلى المتديّن أن يفهم أنّ الحقيقة العلميّة نسبيّة ولادينيّة، وأنّه لا وجود لحقيقة دينيّة قادرة على تعويض العلم في مهمّته المعرفيّة. وعلى السياسيّ أن يفهم حدوده وواجباته، فلا يتدخّل في سير المؤسّسة العلميّة التعليميّة وألا يستعمل دهاءه السياسيّ للتأثير غير المباشر في عملها. له الشارع وله السلط الثلاث وله هذه السلطة الرابعة المائعة السامّة والنافعة المسمّاة بالإعلام. فمن الغباء السياسيّ أن يقتحم بابا للدخول في مجال لن يكون له أبدا. فليترك العلم والتعليم لهؤلاء السذج من الباحثين والدارسين والمعلّمين والمتعلّمين.أمّا السياسيّ المتديّن فأخطر من سجّلهم التاريخ. هم الذين أحرقوا الكتب، وهم الذين أحرقوا العلماء والأدباء والفلاسفة وعذبوهم وسجنوهم. ومن واجب القائمين على المؤسّسة العلميّة والتعليميّة أن يقفوا في وجوههم، وألا يمسحوا على رأس الأفعى.
وهذا ردنا على ما كتب أعلاه
بقطع النظر عن ان هذا الكلام قيل في غير سياقه وهو خارج تماما عن موضوعنا ولا صلة له بالقضية التي عالجناها في مقالنا فموضوعنا لا يتعلق بضوابط البحث العلمي واستقلالية الجامعة التي دفعناها عنها حين كان الكلام بثمن باهض ولا يقدر عليه غير القليلين ، بل يتعلق بنشاط عام أعلنت عنه الكلية بواسطة الاشهار والإعلان للعموم من خلال وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية مما يحوله الى نشاط يخضع الى متطلبات غير متطلبات نواميس الدرس او البحث التي تمارس في القسم ولا يحضرها غير المسجلين وتخضع الى عمليات تقييم محددة بالقوانين الجاري بها العمل او نواميس البحث التي تحددها ضوابط ومتطلبات ترسمها القوانين المنظمة و الهيئات العلمية ويخضع الانخراط فيها الى شروط المستوى العلمي والتسجيل والاشراف والتقييم من خلال جلسات المناقشة و التي تكون عامة ومفتوحة للجمهور ومسجلة وموثقة . نعم هذه كلها ضوابط ليس من حق احد التدخل فيها او التأثير على قرارات لجانها مهما كانت وظيفته او مسؤوليته السياسية.
فما دخل ما تقول في موضوع الحال يا سي صلاح ؟
أولا : يا أستاذ الكلية أعلنت عن نشاط عام مفتوح للعموم و لم تتراجع عن ادراجه ضمن نشاط الكلية لمخالفته للنواميس التي تذكرها بل وقع منعه بغصب الحق voie de fait من جهات غير علمية وبواسطة العنف وهو اخطر ما وقع.
La « voie de fait » est une notion du droit administratif. Il s’agit d’une action de l’administration réalisée sans droit qui porte matériellement et illégalement une atteinte grave à une liberté fondamentale ou à un droit de propriété. Le droit privé a fait sienne cette notion en sanctionnant l’atteinte violente à une situation légitime faite par toute personne dont l’action ne peut se justifier d’aucune disposition contractuelle, légale ou réglementaire.
https://www.dictionnaire-juridique.com/definition/voie-de-fait.php
وانت تعرف ان الفضاء الجامعي ( او لعلك لا تعرف ) يخضع رغم انك تقول انه مغلق الى قواعد النظام العام والى متطلبات المجلة الجزائية اذ ما توفرت شبهة جرائم وقعت في الحرم الجامعي تقع تحت طائلة القانون العام بالإضافة الى القوانين الداخلية التي لا فائدة من ان اذكرك بها حتى لا اثقل عليك وعلى القراء وتتعلق هذه الشبهة بممارسة العنف باي شكل كان او الدعوة اليه باية وسيلة . ولقد مورس العنف و هو مسجل وموثق فما رايك يا أستاذ هل نطالب بتطبيق القانون ؟..لا بطبيعة الحال فمن يهمه اليوم احترام القوانين حين تصبح الهمجية سلوكا عاما يدافع عنه الجامعي ويختفي في الدفاع عنه وراء ألفاظ فارغة وان كانت تريد ان توحي بالجدارة العلمية.
ثانيا : يهمنا هنا أيضا ان نذكر ببعض وظائف الجامعة كما تحددها الأوامر والقوانين ذات الصلة وهي بلا شك لا تخطر ببال السيد محمد صلاح الدين الشريف.
يا سيدي الجامعات مؤسسات بحثية علمية بلا شك ولكنها فضاءات مواطنة وتنمية سياسية واجتماعية تتجاوز وظائفها هذه الكنائس المغلقة على نفسها التي تبشر بها والتي لا احد يدري ما يحدث فيها .
الجامعات مؤسسات تسهم في تنمية المجموعة الوطنية في نطاق التكامل مع كافة قطاعات الإنتاج الأخرى وهي بذلك منفتحة على المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
الجامعات يا سي صلاح تنمي المعرفة وتنشرها للعموم بغية تعميم الفوائد المنجرة عن تقدم العلم. وعليها تقع مسؤولة تحليل خصائص الواقع الوطني والمحيط الخارجي ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ( نعم سياسيا ) سعيا الى السير بهذا الواقع نحو الأفضل.
ليست هذه يا سي صلاح شعارات جئت بها من سذاجتي التي تغمز بها ( سامحك الله ) بل هذه بالضبط وظائف الجامعة كما رسمها وحددها وشجع عليها كل الأوامر والقوانين التي تتعلق بالتعليم العالي مثل القانون عدد 70 لسنة 1989 مؤرخ في 28 جويلية 1989 ويتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي وجميع النصوص المنقحة له والمتممة له وخاصة القانون عدد 67 لسنة 2000 المؤرخ في 17 جويلية 2000 والامر عدد 2715 لسنة 2008 المؤرخ في 4 اوت 2008 ويتعلق بسير الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث وطرق تسييرها.
نعم يا سي صلاح مؤسسات الجامعة ليست دورا ثقافية ، انها اكبر من ذلك بكثير بل هي خاصة اكبر مما رسمت لها في ضيق افق يتنكر بلا شك لوظائفها كما حددها القانون ولكن أيضا من خلال نضالات الطلبة والأساتذة والمثقفين حين طالب كل هؤلاء بان تكون الجامعة شعبية وان يكون التعليم ديمقراطيا فاين انت من هذه الشعارات وانت تبشر بهياكل هي اشبه بجمعيات سرية تعمل لنفسها ولا تعمل لشيء لأنها مقطوعة عن سياقاتها مشغولة بهمومها ؟
ثالثا : نحن نعيش في زمن تكاثرت فيه الأحزاب وهي في اكثرها بلا هوية ولا شخصية ولا برنامج بل ان البعض منها غارقة في ماضيها تعاني من فقدان القدرة على تجديد رؤاها .كيف يمكن للجامعة ان تساعد كل هؤلاء على تبين خلل رؤاهم وضعف برامجهم وفساد منطلقاتهم اذا ما وجدت ؟ كيف يمكن ان تقوم الجامعة بدورها المواطني اذا لم تعط لكل هؤلاء السياسيين الفرصة لبسط رؤاهم بل رؤية انفسهم في مراة البحث العلمي والتقييم الرصين ومن خلال الجدل الذي توفره الندوات الفكرية كمناسبات جدل عام وحر وديمقراطي بعيدا عن عصا العلم التي تلوح بها وهي اشبه بعصا البوليس ..اي فائدة عظيمة يجنيها الطلبة عندما ينخرطون في هذا النقاش العام في كلياتهم وخارجها بعيدا عن الهيمنة والتسلط اللذين يمارسهما الأستاذ عليهم في القسم.
رابعا :يا سبحان الله لان لنا مشكلة مع الاسلامين نضحي بكل قيمنا …هل تدعونا يا سي صلاح ان نسقط من دستورنا الذي افتككناه بدم الشهداء واستماتة المناضلين الاحرار جميع القيم العظمية التي ربحناه من خلال ثورتنا التي لا أزال افتخر بها وبمنجزاتها رغم كل النقائص ؟
هل تريد باسم نوامسيك العلمية وكرهك للإسلاميين ان نتنكر للفصل 6 من الدستور والذي ينص على :
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات »
التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها».
الفصل21 :
المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز.
الفصل 23:
تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد.
الفصل 31:
حرية الرأي والفكر والتعبير والاعلام والنشر مضمونة.
ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.
الفصل 33:
الحريات الاكاديمية وحرية البحث العلمي مضمونة.
توفر الدولة الامكانيات اللازمة لتطوير البحث العلمي والتكنولوجي.
هل تريد سي صلاح ان نتخلى عن كل هذا المبادئ لأننا نكره الإسلاميين ودولتهم . هل تعرف سي صلاح انك بدعوتك هذه الى منع مواطن تونسي من المشاركة في نشاط عام بدعوى انه سياسي تفتح الباب أمام كل أنواع التصرفات الفاشية .فغدا نمنع السياسي من دخول المسجد لأداء الصلاة بدعوى ان دخوله المسجد هو توظيف للدين لصالح السياسة …ويمكن أيضا ان نمنعه من دخول أي مهرجان ذي طبيعة شعبية وان يصطحب معه زوجته وابناءه ان كان له زوجة وأبناء بدعوى انه يستغل وجود اعداد غفيرة من الناس لتبييض سياسته من خلال الظهور بمظهر الرجل القريب من الجماهير.
والقياس هنا صحيح لأني اعيد وأكرر ان ما وقع في الكلية هو نشاط عام مثل أي نشاط عام أخر وذلك واضح من خلال الاشهار المنشور حوله وهو ضرب من التعاقد بالمفهوم القانوني بينها وبين جمهور الناس بلا قيد او شرط . وإذا كان بإمكانك ان تمنع أي مواطن من المشاركة فيه فبودي ان نعرف الطريقة التي ستستعملها من اجل هذا المنع هل ستضع عسسك على الباب وتقول هذا يدخل و هذا لا يدخل ؟..وباي قانون ستبرر ذلك ؟ ام ان ما تفعله له قوانين خاصة ..فما هي هذه القوانين ؟ اطلعنا عليها فنحن سذج وأنت عالم.
خامسا : لعلك يا سي صلاح لم تحضر مناقشة رسائل دكتورا او تأهيل لبعض الجامعيين. احيلك هنا على مناقشة عبيد الخليفي ومحسن الخوني كان القضاة والسياسيون من جميع العائلات والنقابيون جنبا الى جنب في قاعة المناقشة ولم يتعرض لهم احد حتى قال لي احد الاساتذة الذين ناقشوا رسالة عبيد الخليفي على سبيل الهزل «يا سلومة لو كنا في زمن بن علي لأغلق البوليس السياسي الكلية وجميع منافذها …هل تريد ان تعيدنا لزمن المجرم بن علي بدعوى نواميسك العلمية ؟
خسارة يا سي صلاح كنت اضعك ولا أزال في مرتبة اعلى مما كتبت ولكنك صرت مدافعا عن العنف …
أخيرا لعلمك لم تتواصل الندوة التي كانت مبرمجة ليومين بعد اخراج السياسيين منها بل مزق الطلبة اللافتات واوقفوا الندوة ( التي لم تحضرها انت لتعبر عن احترازك حيال موضوعها والمشاركين فيها بكل شجاعة ولكن الكتابة على الفيسبوك اهون واسلم ) ربما لان المقصود ليس السياسي وإنما الندوة ذاتها.
يا سي صلاح « ينكب العلماء على بحوثهم و يعملون بصمت، يجعل المجتمع الخارجي لا يعرف عنهم و عن أنشطتهم العلمية الشيء الكثير. ولكن خلال الندوات العامة يحاولون ترتيب و إعداد عروض تبين تلك الأنشطة، يراها الحضور و تظهرها وسائل الاعلام للجمهور فيتعرف المجتمع على جامعاته و علمائه، و ينتشر العلم وثقافته و نوره في المجتمع » كما ينص على ذلك المنطق السليم الذي عبر عنه احد المثقفين الاوفياء لوظيفة الجامعة والذي انقل كلامه هنا.
يا سي صلاح ان العمل العلمي من خلال دور الجامعة يتدخل في نحت السياسات العامة من اجل الاصلاح وذلك عن طريق استهداف جمهور السياسيين خاصة وأصحاب القرار بقصد ان يستفيدوا من مخرجات البحث العلمي لفائدة الصالح العام ولكنكم تريدون ندوات بلا روح ولا فائدة تقام في كثير من الاحيان في قاعات فارغة اذ لا يحضرها الطلبة المنشغلون بهمومهم بل يتجاهلها الاساتذة ايضا …هل كان هذا يخطر على بالك حين كتبت ما كتبت ؟
ولكنكم تريدون نشر الجهل والانغلاق فهنيئا لكم بذلك.
هنيئا لك سي صلاح عندما تنتصر لإيقاف ندوة علمية بالقوة الغاصبة للحق وتبررها … .