إن التناقض الرئيسي اليوم داخل الاتحاد وداخل الحركة النقابية عامة هو بين أنصار النزعة البيروقراطية الجاثمة على المنظمة النقابية منذ عقود وبين أنصار النهج الديمقراطي الذي يطمح منذ السبعينات من القرن الماضي خاصة منذ دخلت الى الاتحاد العناصر اليسارية الخارجة توا من الجامعة والملتحقة خاصة بالتعليم الثانوي والمسلحة بثقافة سياسية متينة و الطامحة إلى تحقيق تحول نوعي داخل المنظمة لفائدة العمال والشغالين.
فالبيروقراطية تريد توظيف شعار مصلحة الاتحاد والإبقاء على خبراته(كلام حق أريد به باطل ) لمزيد سيطرتها على المنظمة .. وإن القول بأن تسقيف العضوية في المكتب التنفيذي للاتحاد بدورتين يؤدي إلى خسارة المنظمة لخبراتها هو ببساطة إهانة لكل النقابيين المناضلين . إنه من السهل في هذه البلاد أن تكون وزيرا ( خاصة عندما اصبحت الوزارة أقل من لاشىء) ولكن من الصعب جدا أن تكون عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد فذلك يحتاج بلا شك إلى عشرات السنوات من الخبرة النقابية ومن الانتماء إلى هياكل المنظمة بدءا بالنقابة الأساسية والفرع الجهوي والجامعة العامة أو النقابة العامة أو الاتحاد الجهوي ..
فعضوية المكتب التنفيذي تحتاج إلى عضوية الهياكل الوسطى جامعة عامة ، نقابة عامة ، اتحاد جهوي لمدة دورتين على الأقل ( 8 سنوات في الادنى إذ تتأخر أحيانا مؤتمرات هذه الهياكل حين تستفيد من الإمهال بسنة لعقد مؤتمراتها ) أليس هؤلاء هم أيضا خبرات الاتحاد ؟ ومن أين جاء أعضاء المكتب التنفيذي الحاليون ؟ ألم يتدربوا كلهم على المسؤولية انطلاقا من الانتماء إلى كل هذه الهياكل؟ …إن رفض التسقيف بحجة حفاظ المنظمة على مسؤوليها الأكفاء هو تحقير لجهد النقابيين وشخصنة بغيضة وتبرير لشهوة السلطة لا أكثر ولا اقل.
و شهوة السلطة هذه هي التي تفسر عودة البيرقراطية اليوم الى الفصل العشرين مرة أخرى وبنفس الصيغة التي رأيناها تتكرر مباشرة بعد مؤتمر المنستير في 2006 وخاصة بداية من 2009 أي مؤتمر استثنائي غير انتخابي . وهو ما يرفضه المتمسكون بهذا الفصل لأنه يؤسس لحياة ديمقراطية حقيقة داخل الاتحاد، يكون من مبادئها التداول على المسؤولية النقابية درءا لكل أنواع الوصولية والفساد ،
ومن البديهي أن يتركز الجدال اليوم مثل ما كان الأمر منذ مؤتمر جربة حول الفصل العاشر (قبل المؤتمر 23 و العشرون بعده ) .وهذا لا يعني أنه يختزل كافة جوانب الصراع بين النهجين المتضاربين داخل الاتحاد.
ولكن كما هو الحال في كل الصراعات فلا بدّ من أن تطفو على السطح مسألة دون غيرها من المسائل وتعلو على البقية وتتحوّل إلى عنوان للصراع بكامله . وإن ما جعل الفصل العشرين يكتسي كل هذه الأهمية ويصبح في « قلب الصراع « الذي وصل الى المواجهة القضائية والى تفكك الصف النقابي من خلال مقاطعة الجامعة العامة للتعليم الثانوي للمؤتمر الفضيحة في 8 و 9 جويلية 2021 .
وربما غيرها من الهياكل الوسطى هو انه يمسّ عصبا رئيسيا من أعصاب البيروقراطية النقابية، فإذا ما استؤصل ، ماتت معه أعصابٌ أخرى وتوقفت عن الحياة. لذلك ليس من الغريب أن يتخذ الفصل العشرون كل هذا البعد وتتكثف حوله الصراعات بين الخطين النقابيين المتناقضين في الاتحاد.
إن الذين يريدون تنقيحة خدمة لأغراضهم لا بحثا عن مصلحة الاتحاد هم عامة أنصار البيروقراطية المتسلطة والذين يتمسكون به هم عامة أنصار الديمقراطية النقابية الذين يسعون الى تحقيق الديمقراطية داخل الاتحاد كوسيلة لتحقيق استقلاليته عبر إرجاع سلطة القرار فيه إلى أصحابها الشرعيين أي القواعد النقابية والعمالية وتحويله إلى إطار حقيقي للدفاع عن مصالح العمال والأجراء، لأن الاتحاد متى أصبح فعلا ديمقراطيا حرا، ومستقلا، ذاد عن تلك المصالح وقام بدور تقدمي داخل المجتمع ووقف إلى جانب الفئات الشعبية ومطالبها المشروعة وإلى جانب الحريات والديمقراطية.