استمعت يوم 03 فيفري 2022الى محمد على البوغديري عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل في إذاعة شمس اف ام . لم يفاجئني موقفه من 25 جويلية وولاءه التام لقيس سعيد فقد عبر عن ذلك في مناسبات عديدة . ما يلفت الانتباه في مواقف هذا الرجل الأخيرة هو خطابه الموالي لتدابير 25 جويلية دون قيد أو شرط تقريبا في ما يشبه المغازلة الصريحة للسلطة وهو ما يعزز ما يروج حوله من انه رجل النظام المستقبلي . هل نحن بصدد اختراق من نظام « التدابير الاستثنائية » للاتحاد ؟هل سنعيش فصولا أخرى من الصراع داخل المنظمة لن يكون القرار فيها للنقابيين هذه المرة، بل لعلها ستدار من خارج الإطار النقابي.
يبدو أننا مقبلون على قلاقل داخلية اشد وطأة ستخلخل لا الاتحاد فقط، ولكن كثيرا من منظمات المجتمع المدني . فقد رأينا بوادر ذلك في رابطة حقوق الإنسان وربما تعيش نقابة الصحافيين وضعا مشابها وقد نشهد في الأيام القادمة انقلابات في جمعيات ومنظمات أخرى . ومن الواضح أن سلطة 25 جويلية ستفعل كل ما في وسعها من اجل استثمار الخلافات الداخلية الناتجة عن اختلاف التصورات والمواقف من قيس سعيد داخل مكونات المجتمع المدني لتتمكن من السيطرة عليها جملة حتى تستطيع تجييرها لصالحها آو على الأقل تحييدها في الصراع القادم والذي تريد ان تختزله كما كان الأمر أيام بن علي في الصراع الثنائي التقليدي « مع النهضة أو ضدها».
والحقيقة انه لا يعنينا كثيرا موقف البوغيدري ولا ما قد يحاك بواسطته للاتحاد، بل ما يعنينا هو هذا الذي حذرنا منه مرارا وتكرارا وهو :
أولا الاستهانة بالجانب القضائي
لقد استهانت البيروقراطية الفاسدة بالمعركة وحسبت انه بمقدورها أن تستخدم القواعد لاستبلاهها وقيادتها نحو خراب الاتحاد .لم تضع في الاعتبار الجانب القضائي لأنها على عكس ما يروج كانت ضالعة مع السلطة في فسادها وأنها تمكنت من عقد المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي الفضيحة بفضل رضى السلطة ومباركتها .. ومن ينسى الترخيص الليلي الذي تحصلت عليه لتنفيذها مؤتمرها ؟ وقد تكون تحصلت على كل الأحكام السابقة لفائدتها نتيجة هذا الرضى المتبادل بين سلطة فاسدة واتحاد لا يقل عنها فسادا.
ثانيا : نتائج خروجها على قانونها
الشيء الثاني الذي لم تقرأ له القيادة الفاسدة حسابا هو أن اعتداءها على قانونها سيجعل منها رهينة للحكم الذي يمسكها من رقبتها ويبتزها نتيجة معرفته بخروقاتها وتجاوزاتها . لم تفهم أن التلاعب بقانونها سيكون سكينا موضوعا على رقبتها ..اليوم تجد البيروقراطية النقابية نفسها لا في مواجهة بعض عشرات من النقابيين استماتوا في الدفاع عن قانون المنظمة ورفعوا القضية تلو القضية ( قال عنهم الطبوبي يوما في غروره أنهم مجموعة من الفاشلين ) حتى تمكنوا من حصول على حكم ابتدائي في الأصل في إلغاء مقررات المجلس الوطني الداعي إلى المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي وهو ما يعني بطلان كل ما صدر عن هذا المؤتمر وأول ذلك تعديل الفصل 20 المتنازع حوله منذ 2002 ومؤتمر جربة الذي اتخذ قرارا بتحديد الانتماء إلى المكتب التنفيذي الوطني بولايتين لا أكثر أي مدة لا تتجوز 10 سنوا ت ، بل إن البيروقراطية هي اليوم أمام تمرد خرج عليها من صلب القيادة ذاتها مدعوما على الأرجح بجهات من السلطة التي قد تكون اختارت أن تطيح بالقيادة الحالية وعلى رأسها الطبوبي المترددة في حين أنها تطلب موالاة بلا تردد ومساندة بلا شروط أي صكا على بياض كما يقول الامين العام الذي يرعد ويزبد كثيرا في حين انه أعجز من أن يفعل أي شيء للوقوف أمام سير البلاد الحثيث نحو الهاوية وهو المشغول بنفسه وولايته الثالثة في المكتب التنفيذي والثانية في الامانة العامة في خرق صريح للفصل 20 من القانون الأساسي للاتحاد.
لا شك أن السلطة في حاجة في المستقبل إلى اتحاد موال لها تماما والبلاد مقبلة على قرارات موجعة مفروضة عليها من المانحين الدوليين الذين يضيقون عليها الخناق .. ولعلها تبحث في سبيل ذلك عن رجل في القيادة لا خلاف حوله قانونيا بالنظر الى الفصل 20 لتعده للمستقبل ولما لا يكون البوغديري نفسه الذي لم يترشح للمؤتمر القادم أيام 16 و 17 و 18 فيفري رغم أنه لم يقضّ في المكتب التنفيذي الوطني غير دورة وحيدة رجلها القادم وجوادها الرابح الذي ستراهن عليه .؟
لا لوم على البوغيدري فهو في كل الحالات من صنع البيروقراطية الفاسدة فهو لا يقل عنها لا طمعا ولا فسادا ولا لوم على بقية المكتب التنفيذي من تكلم منهم ومن سكت فقد ساهموا كلهم بشكل أو بآخر في الحالة التي وصل إليها الاتحاد بل اللوم كل اللوم على آلاف النقابيين الذين سكتوا على كل الخراب الذي كانوا يعاينونه رؤية العين وقبلوا على أنفسهم أن يكونوا قطيعا تساق بواسطهم المنظمة إلى ما وصلت إليه اليوم من اعتداء على قانونها وانقلابات داخلية في صلبها . فمتى يستفيق النقابيون الأحرار ليستردوا منظمتهم من كل تجار المواقف وصانعي الانقلابات ؟…