قليل من المتابعين للشأن النقابي يفهمون بدقة طبيعة النزاع القائم اليوم بين قيادة الاتحاد ومجموعة من النقابيين ولا طبيعة القضيتين المرفوعتين استعجالتين وفي الأصل ضد قيادة الاتحاد عبر ممثلها القانون وهو الأمين العام للاتحاد.
– وللتذكير فان القضية الأولى تتعلق بإبطال أشغال المجلس الوطني المنعقد في شهر اوت 2020 في مدينة الحمامات وما اسفرت عنه هذه الأشغال من دعوة الى مؤتمر استثنائي غير انتخابي وهي في طورها الاستئنافي وسيصدر الحكم بشأنها اليوم الخميس 6 اكتوبر 2022 وكان صدر فيها حكم ابتدائي يقضي بإبطال اشغال المجلس الوطني وما ترتب عنه من انعقاد مؤتمر استثنائي غير انتخابي تولى تنقيح القانون الأساسي للاتحاد وأساسا الفصل العشرين كما سنرى لاحقا.
اما القضية الثانية فهي طعن في « المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي » نفسه المنعقد بسوسة في جويلية 2021 لعدم قانونيته في نظر الطاعنين و لاتزال هذه القضية الثانية في طورها الابتدائي و قد عينت جلسة المرافعة والحجز للمفاوضة يوم 19 اكتوبر الجاري.
– سنتوقف هنا عند القضية الأولى ما العلم أن الحديث عنها لا يكاد يختلف في موضوعه عن القضية الثانية إذ مدارهما الاثنتين هو قانونية «المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي » ومدى احترامه لهيكلية الاتحاد وقانونه الأساسي .
لماذا طعن النقابيون في أشغال المجلس الوطني ؟
تمسك الطاعنون في لائحة الدعوى ان المؤتمر العام هو سلطة القرار الأولى والعليا والمرجع الأول للاتحاد العام التونسي للشغل وفق ما ينص عليه الفصل الثامن (08) من القانون الأساسي للاتحاد (تم تنقيحه في المؤتمر الثالث والعشرين ) والفصل التاسع عشر(19) من نظامه الداخلي (تمت المصادقة عليه في الهيئة الإدارية الوطنية ويتولى النظام الداخلي تفسير وتوضيح بعض أحكام القانون الأساسي شريطة عدم مخالفته لها وفق الفصل مئة وواحد وعشرين (121) من القانون الأساسي).
لذا يجوز اعتبار المؤتمر العام برلمان النقابيين اذ يقع صلبه مناقشة التقريرين الأدبي والمالي للمكتب التنفيذي المتخلي والتصويت عليهما من طرف النواب وله كذلك سلطة سيادية متمثلة خاصة في انتخاب هيئة ذات وظيفة مزدوجة تسييرية من جهة وتنفيذية لمقرراته من جهة ثانية تدعى المكتب التنفيذي وللمؤتمر كذلك – وهو الاختصاص الذي يهمنا هنا – سلطة تشريعية للقوانين الأساسية والداخلية المنظمة للإتحاد سنا وتعديلا . ونظرا لأهمية هذا الهيكل واتساع صلاحياته أطنب القانون الأساسي و النظام الداخلي في تحديد آجال وشروط انعقاده.
وبالرجوع إلى الفصل التاسع من القانون الأساسي والى الفصلين 19 و 20 من النظام الداخلي نجد مؤسسة المؤتمر تأخذ صيغتين مختلفتين إما صيغة المؤتمر الوطني العادي وإما صيغة المؤتمر الوطني الاستثنائي وإذا انعقد المؤتمر سواء في صيغته الأولى ( العادية ) أو صيغته الثانية (الاستثنائية ) فانه عملا بأحكام هذه الفصول ينتخب نواب المؤتمر وجوبا قبل بداية الأشغال جميع لجانه التي هي لجنة فحص النيابات ومراقبة فرز الأصوات ولجان اللوائح وتدون جميع أشغاله في دفتر محاضر جلسات مرقم خاص به . فهذه الموجبات فرضها المشرعون للقانون الأساسي والنظام الداخلي كلما انعقد المؤتمر مهما كانت صيغته عادية أو استثنائية.
ولمزيد التأكيد على أن غايتهم تنحو هذا المنحى تم التعرض لصيغتي المؤتمر في نفس الفصل التاسع (09) من القانون الأساسي و الفصل التاسع عشر (19 ) من النظام الداخلي دون وجود أي فرق بينهما سوى إجراءات الدعوة لعقد المؤتمر فبموجب النظام الداخلي في فصله 19 ينعقد المؤتمر العادي دوريا كل خمس سنوات بقرار تتخذه الهيئة الإدارية قبل التاريخ المحدد بستة أشهر.
أما في حالة المؤتمر الاستثنائي ونظرا لصبغته الاستثنائية فان انعقاده يحتاج إلى شروط مركبة ومشددة للتمكن من عقده إذ يصدر الطلب أولا عن ثلثي أعضاء المجلس الوطني على قاعدة التمثيل النسبي وتتثبت الهيئة الوطنية للنظام الداخلي في توفر النصاب القانوني للممضين في ظرف شهر من تاريخ تسلمها للملف ثمّ ترفع تقريرا في الغرض إلى المكتب التنفيذي الوطني الذي يدعو وجوبا الهيئة الإدارية للانعقاد في اجل لا يتجاوز الشهر وفي صورة إقرارها الطلب يدعو المكتب التنفيذي وجوبا المجلس الوطني إلى الانعقاد قصد التثبت في صحة الطلب وقانونيته وتحديد موعد المؤتمر الاستثنائي في اجل لا يتجاوز شهرين من تاريخ انعقاده.
و في كلتا الحالتين العادية والاستثنائية تحدد الهيئة الإدارية الوطنية بأغلبية أعضائها الحاضرين تراتيب انعقاد المؤتمر ومكانه وتاريخه و يصدر المكتب التنفيذي بلاغا في ذلك قبل انعقاد المؤتمر بعشرين يوما على الأقل ويفتح باب الترشح لمدة عشرة أيام ويتضمن البلاغ وجوبا التنصيص على شروط الترشح .
وبحسب دعوى الطاعنين فان القانون الأساسي و النظام الداخلي يجعلان من العملية الانتخابية الغرض الأول من أي مؤتمر عاديا كان أو استثنائيا ولذلك فان الدعوة الاخيرة الى أي مؤتمر والتي تصدر عن المكتب التنفيذي الوطني عشرين يوما قبل انعقاده تتضمن وجوبا شروط الترشح للهياكل المنتخبة من المؤتمر وهي المكتب التنفيذي الوطني والهيئة الوطنية للنظام الداخلي والهيئة الوطنية للمراقبة المالية.
واستخلص الطاعنون ممّا سبق ذكره أن الدعوة للمؤتمر عاديا كان أو استثنائيا لا تتضمن شروط الترشح هي دعوة باطلة و مخالفة لصريح النظام الداخلي في فصله المذكور وتتعارض جوهريا مع وظيفة المؤتمر الأساسية الذي لا يكون بدونها وهي التداول على المسؤولية في الهياكل المذكورة وهو ما يشير اليه الفصل التاسع من القانون الأساسي أيضا حين يشترط في قانونية انعقاد المؤتمر العام العادي أو الاستثنائي ان ينتخب من بين نوابه مكتبا يتكون من رئيس ومساعدين اثنين ومقررين اثنين من غير المترشحين وهو ما يعني ان وجود قائمة للمترشحين هو الذي يحدد انتخاب مكتب المؤتمر ومقرريه فإذا انتفى شرط الترشح انتفى معه كل ما هو مشروط به شرط وجوب من مكتب ومقررين.
وحيث تمسك الطاعنون بذلك فقد اعتبروا في دعواهم ان دعوة المجلس الوطني إلى عقد مؤتمر غير انتخابي هو خرق للقانون الأساسي و النظام الداخلي لاتحاد الشغل الذي لا وجود صلبهما لصيغة المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي .
وبناء على هذا فقد طلب الطاعنون في قضية أصلية إبطال كل أشغال المجلس الوطني وجميع ما يترتب عنه من مؤتمر استثنائي غير انتخابي لا وجود له في هيكلية الاتحاد بحسب من رفعوا القضية كما بينا و من هذه الاشغال أساسا تعديل قانون الاتحاد وخاصة الفصل العشرين ( 20)وكان القصد من هذا التعديل بحسب الطاعنين تمكين أعضاء المكتب التنفيذي الذين استكملوا دورتين من التمديد لهم في عضوية المكتب وتمسك المدعون بان في ذلك مخالفة صريحة للفصل 20 من القانون الأساسي للمنظمة الذي ينص على أن أعضاء المكتب التنفيذي ينتخبون لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة بمعنى آن دعاة التنقيح هم من يمنعهم الفصل 20 قبل تنقيحه في المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي من الترشح بسبب استكمالهم المدّتين النيابيتين. مع العلم انه بناء على هذا التحوير الذي وقع فعلا في المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي المنعقد في سوسة في جويلية 2021 تقدم خمسة أعضاء استكملوا نيابيتين بالمكتب التنفيذي عقب نهاية المدة النيابية 2017 -2022 الى عضوية المكتب التنفيذي مجددا في المؤتمر 25 ومنهم الأمين العام نورالدين الطبوبي ونجحوا في نيل هذه العضوية .كما نجح الطبوبي في نيل الأمانة العام لدورة ثانية.
وفي المقابل فقد تمسك الاتحاد عبر محامييه وتصريحات قيادييه ( قليلا ما يتعرضون الى هذه القضية ) انه لا صفة للقائمين بالدعوى اذ لا يحوزون على بطاقة انخراط في الاتحاد وهي حسب ممثلي المنظمة الطريقة الوحيدة لإثبات الانخراط و بالتالي اثبات صفة القيام. كما تمسك الاتحاد في كل القضايا المرفوعة ضده بان هياكله هي التي تقرر ديمقراطيا وعبر الية التصويت كل ما يهم مصيره وان هذه الهياكل لها كامل الصالحية والسيادة في الدعوة الى المؤتمر بالصيغة التي قررها المجلس الوطني بكل حرية وفي نطاق الشفافية كما يؤكد قياديو الاتحاد عبر تصريحاتهم ان القضاء لا صلة له بالمشاكل الداخلية للمنظمة التي تحل عبر الهياكل الممثلة كما اكدوا مرارا وتكرارا ان الاتحاد مستهدف وان النية من رفع القضية هو اضعافه والنيل من مكانته خاصة في هذا الظرف بالذات حيث تتوتر العلاقة اكثر فاكثر مع النظام القائم عقب 25 جويلية وذلك بسبب رفض الاتحاد للحوار الذي دعا اليه قيس سعيد.
مع العلم انه صدر حكم ابتدائي يقضي بإبطال اشغال المجلس الوطني في انتظار صدور الحكم الاستئنافي في القضية اليوم 6 اكتوبر 2022 فهل تقر محكمة الاستئناف حكم البداية ام انها ستراجع الحكم وتقضي بعد سماع الدعوى مما يعني الاقرار بشرعية اعمال المجلس الوطني وكل ما ترتب عنه ؟
وفي حال اقرار الحكم الابتدائي فأي تأثير لذلك على القيادة النقابية الحالية التي تؤكد هذه الايام من خلال تصريحات الأمين العام نورالدين الطبوبي بان المنظمة مستهدفة من الداخل والخارج ؟. وهل لهذه التصريحات صلة بالحكم الذي سيصدر اليوم والذي ينتظره كل النقابيين والرأي العام اذ ان صدور حكم استئنافي في القضية يؤيد الحكم الابتدائي سيجعله حكما بتاتا مع جميع ما يمكن ان يترتب عن ذلك وسط مناخ مضطرب تعيشه البلاد على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟