الى كل الصحافيين في معتقلهم : لا تيأسوا.. فلستم وحدكم هناك

الى محمد وسنية

لك الله أيها الجندي، سلاحك القلم والكلمة والموقف الحر الذي لا يبيع و لا يشتري في سوق النخاسة ورحبة السمسرة بالأفكار والمواقف وفي بلاتوات الكذب والتملق تناسلت بيننا لتنشر الغباء وتعمم الجهل ولتقدم لنا على المباشر فنون النفاق السياسي يضطلع بها اولئك الذين احترفوا بالأمس تمجيد الحاكم ينالون به رضى السلطان وبعض عطاياه …كانوا كذلك قبل الثورة وظلوا كذلك حين أغلق قوسها إيذانا بحلول زمن العلو الشاهق .

"الله ينصر من صبح "

أي مشهد هذا الذي يعيشه إعلامنا العمومي ! وسيأتي الدور لا محالة على الخاص من خلال ابتزازه : نفس الوجوه تطلع علينا وتدخل بيوتنا غصبا . تعيد علينا في لغة ممجوجة خطاب الثناء والتمجيد . أغلقت قنواتنا الوطنية في وجه كل خطاب مختلف حتى ولو لم يكن معارضا بصريح النص و العبارة . فنحن اليوم في زمن« معركة التحرير الوطني » والمعركة لا مكان فيها « للخونة والماسونيين والصهاينة ،أولئك الذين يرتمون في أحضان الخارج ».

تلك هي الصورة في بعض تفاصيلها وقد أغلق قوس الثورة المغدورة أو يكاد . وهاك عينة ناطقة مما نحن فيه : صحفية تفهم في كل شيء .كانت تحترف تمجيد بن علي وزبانيته في جريدة لم تنقطع منذ تأسيسها عن عناوين سلخ المعارضة وتقريظ ساكن القصر أيا كان وكيفما يكون ، في أوج طغيانه أو في أرذل مراحل العمر. فهو دائما المخلص والمنقذ ورجل الدولة وعنوان المرحلة الذي لا حياة لنا دونه. ولكنه ارتحل فلم تتوقف الحياة بعده ولا أصابنا الطاعون بغيابه منقلبا عليه من حاشيته وأقرب الناس اليه أو بعد أن أسقطته الجماهير الغاضبة .

ها هي الصحفية اللامعة صارت اليوم واعظة وفيلسوفة وخبيرة استراتيجية تقدم لنا دروسا حتى في أسرار قبة الصهاينة الحديدية وخفايا صنعها واستعمالها ( هكذا !) .. وطنية شجاعة وعروبية لا يشق لها غبار . تتحدث باسم الشعب وتبشر بالإصلاح وتعد بمحاربة الفساد.. لم تفطم ابدا عن لوك ما تقوله السلطة بلا زيادة ولا نقصان في لغة تغبطها عليها أحذق أنواع الببّاغاوات المدربة على محاكاة من رباها على تكرار الحكمة الأبدية لدينا «الله ينصر من صبح » . تتكلم وحدها او يرافقها من لا يختلف عنها شيئا وإن لبس من زمان قناع اليسار بلا يسار ولا وسط ولا يمين بل في قلب سياسة المولاة …ومن يدري ما الثمن ؟ يتكلمان وحدهما في شاشتنا حين أصبح الكلام محروسا من الرقابة لا يسمح به أو يكاد إلا إلى الانصار من الخلص أما البقية فلهم التهديد والوعيد خلسة وجهارا صباح مساء وإذا لم يتوبوا فمصيرهم هناك حيث يقبع المناضلون فرسان الكلمة والصوت .

محمد وسنية وغيرهما

أيها القابعون في السجن من الصحافيين الاحرار ، ها أنكم كما الزمن الماضي في دورته اللعينة و في أبشع تفاصيله ضحية من جديد للاستبداد . لا يكتب حرف إلا بإذن مقدر تقديرا ولا يتكلم امرئ إلا بنصيب يحدده له غيره.. أيها القابعون في السجن أنتم تمارسون حرية التعبير في حين أن المطلوب ممارسة حرية التفكير والتفكير عندهم بعض من تفكيرهم وجزء من شعاراتهم وترديد لمقولاتهم وثني على خطابهم أما غير ذلك فيجعلك لا وطنيا ، عميلا او غائبا عن وعي يحددون هم وظائفه وهو وعي الغلبة في زمن النكوص و القهر ، وإذا لم تمتثل جعت وتشردت وتعذبت وقد يصل الأمر بهم إلى وضعك مع السفلة والمجرمين في سجن السلطة التي ترفع عاليا لواء الحرية وتحبس القول الحر .. أيها الجندي الحزين الذي تألبت عليه الزنزانة وجسمه المتعب وقد تعاورته الامراض والأسقام . فها هو السكري يأكل عينيه بسبب انتظام الرقابة الصحية داخل السجن الى درجة تدهور معها بصره وانتفخ قلبه ثم جاء دور » البروستاتا »، لتعلن هي الاخرى بداية نكبة لا متحدث عنها غير شهادة شقيقه وهو لسان الدفاع عنه.. ما اقسى أن يشاهد الأخ أخاه وهو يعيش الموت !البطيء… ولا حياة لمن تنادي!

يقال لنا أحيانا ان الصحافي السجين تطاول على شرف امرأة ومسها في عرضها فاشتكته الى النيابة فأحيل من اجل ما نسب اليه ونال جراء ذلك الحكم عليه بالسجن . لنذكرهنا ان خطاب الانحطاط والثلب والتشهير صار سياسة دولة . فهذا الخطاب صار منتشرا اليوم في تونس بشكل غير مسبوق ( لم نعرفه حتى مع صحافة المجاري في عهد بن علي ) و أدى إلى حالة انفلات غير مسبوقة قوامها الثلب والتشهير والاعتداء على شرف الأشخاص والعائلات أزواجا وأبناءا و أصهارا وأقارب قريبين أو بعيدين دون رادع. فهذا متزوج « في الحرام » والثاني لواطي والثالث سكير والرابع مرتش والخامس سارق والسادسة زانية والسابع إرهابي متستر والثامن تاجر مخدرات و التاسع اسلامي مندس و العاشر غواصة تتحرك في الأعماق بهدف نسف الدولة من الداخل وهلم جرا من هذه الأوصاف الذي تغدقها بسخاء صفحات موالية للسلطة وصحافيون ومحامون يدعون الدفاع عن تونس لان النظام القائم أنقذها من «العشرية السوداء ».

وبطبيعة الحال لا تتحرك النيابة العمومية وبسرعة مدهشة كما تحركت مع الصحفي السجين إذا ما وصلتها شكايات في الغرض ضد اشخاص بعينهم او صفحات فيسبوكية تدعي الدفاع عن خيارات السلطة القائمة . وإذا ما باشرت التحقيقات فان الملف يبقى مركونا ولا يصل أبدا الى الإيقافات التي تعرفها قضايا أخرى في سرعة البرق أو إلى المحكمة . أما اذا وقع تتبع بعض الأشخاص مثل ما وقع مع بعض صفحات هتك الاعراض فلأسباب اخرى لا تتعلق بالتهمة في ذاتها بل بصراعات داخل النظام ذاته ليس هذا مجال الحديث عنها .

أيها الصحفية التي رفضت ان ترى الأشياء بعيونهم لا ببصرها فقالت لا « بالبند العريض لتزييف الحقيقة وتجميل القبح .فحب الحقيقة من حب الوطن ومن السهل ان ننشد كل يوم وحتى في ميادين اللعب » «نموت نموت ويحيا الوطن » في حين يشرف البعض على الهلاك في زنزانتهم ولا يحيا الوطن الا ليكون ذليلا يضرب بعصا الطاعة ولا يتألم.

اعتقدت أيها الصحفي الحر، أيتها الصحفية الأبية أن الثورة قد حررتكما وأطلقت لسانيكما وقلميكما وفكريكما ووجدانيكما ولكن هيهات … تألبت عليكما القيود من جديد تلك التي أصبحت تحدد خطوط التحرير وتختار الأقلام وتعين الكتبة وتعلي من شأن كرونيكارات الغلبة ومدوني الدعاية الرخيصة أولئك الذين لهم علم بكل شيء ، يأتيهم الوحي يوحى بلا حساب من سراديب البناية البنية يبشرون على المباشر بإيقاف عمرو وحبس زيد ، وبين هذا وذاك ملاحقة قضائية يعرفون تفاصيلها قبل أصحاب الشأن و مداهمة للبيوت ومنع من السفر يبشرون بذلك كل الجائعين إلى الثأر والمنتشين بسم الشماتة والحقد الدف.

يا من ليس له غير صوته ليسمع رأيه ويحرر لسانه اعلم انك في معتقلك وقد كرهت عيناك الظلام لست وحدك .. انك ولك العزة والفخر لن تكون إلا كتلك التي تجوع ولا تأكل بثدييها. فلك يا صاحب القلم الحر جوعك الأبي ولهم سلطتهم ومنافعها التي لا تغني من جوع وان امتلأت كروشهم بدموع البعض ومآسيهم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات