»الحق قديم لا يبطله شيء «
عمر بن الخطاب
تم الثلاثاء 17 جانفي 2023، إيقاف النظر في ملف « افتعال وثائق جنسية وجوازات سفر تونسية »، المتهم فيها القيادي في حركة النهضة ووزير العدل الأسبق، نور الدين البحيري، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 132 من مجلة الإجراءات الجزائية، إلى حين صدور حُكم بات من المحكمة الإدارية بخصوص دعوى في تجاوز السلطة، رفعتها هيئة الدفاع عن البحيري، وفق عضو الهيئة، سامي الطريقي .
وأوضح الطريقي في اتصال هاتفي بوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن البحيري مثل الثلاثاء 17 جانفي 2023، إلى جلسة سماعه، « غير أن هيئة الدفاع أثارت أثناء الجلسة طعنا إجرائيا في مذكّرة تكليف قاضي التحقيق عدد 31، تمثل في دعوى في تجاوز السلطة لدى المحكمة الإدارية بخصوص أهلية هذا القاضي وتكليفه بالملف، عوضا عن قاضي التحقيق عدد 13 الذي تم إعفاؤه ».
غير ان الناطقة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس نفت ، أن يكون قاضي التحقيق المتعهّد بقضية القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، قد علّق النظر في الملف التحقيقي المتعلّق به (افتعال وثائق جنسية وجوازات سفر تونسية)، إلى حين صدور حُكم بات من المحكمة الإدارية بخصوص دعوى في تجاوز السلطة، رفعتها هيئة الدفاع عن البحيري.
وأكدت قداس، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء الأربعاء 18 جانفي ، أنّ قاضي التحقيق لم يتّخذ هذا القرار، وهو بصدد النظر في طلب الدّفاع ودراسة مدى وجاهته.
وكان من المقرر أن يستمع قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب إلى نور الدين البحيري، الثلاثاء 17 جانفي ، بعد أن تم تأجيل الاستماع له في 4 جانفي الجاري إلى جلسة 17 جانفي، استجابة لطلب هيئة الدفاع، للاطلاع على الملف وإعداد وسائل الدفاع عن منوّبهم.
في المسألة الاولية
ينص الفصل 132 من مجلة الإجراءات الجزائية على انه «يجوز للمحاكم أن تحكم طبق قواعد القانون المدني في المسائل الأولية ذات الصبغة المدنية التي تثار أثناء قضية جزائية وذلك على شـرط أن يكـون لتلك المحاكم حق النظر فيها مدنيا وإلا وجب عليها تأجيل النظـر إلى صدور حكم بات في المسألة الأولية ما لم يقتض القانون خلاف ذلك.ولا تقبل المسألة الأولية إذا ظهر أن القصد منها مجرد المماطلة ولم يكن لها تأثير خاص ومباشر على التتبع. ويضرب أجل للقائم بالحق الشخصي أو المظنون فيه ليتمكن من عرض المسألة على المحكمة المختصة. وإذا انقضى ذلك الأجل ولم يفعل يستأنف التتبع».
فعادة ما تطرح أمام القاضي الجزائي مسائل ذات طبيعة إدارية أو مدنية والقاعدة أن تبقى المحكمة مختصة بالنظر في جميع المسائل التي لها علاقة بالقضية، ولكن الموضوع قد لا يكون من اختصاص المحكمة فوجب حينئذ وقف النظر إلى حين البت في هذا الدفع الاستثنائي وتلك هي المسالة الأولية كما يعرضها الفصل 132 من مجلة الإجراءات الجزائية . وعلى سبيل التوضيح إذا أحيل المتهم لمحاكمته من اجل الإضرار بملك الغير وأجاب باشتراك الملك بينه وبين المتضرر وان الاشتراك موضوع قضية منشورة لدى المحاكم وثبت ذلك وجب على المحكمة الجزائية إيقاف النظر في الجرم ريثما يتم النزاع الاستحقاقي وإلا كان حكمها مستهدفا للنقض (قرار تعقيبي عدد 9113 في 6 جوان 1973 )
قضية نورالدين البحيري والمسالة الاولية
خصص المشرع التونسي لقاضي التحقيق بابا كاملا في مجلة الإجراءات الجزائية احتوى على أربعة وستين فصلا من الفصل 47 إلى المادة 111. ويقوم بوظائف التحقيق حاكم معين بأمر، وعند الضرورة يعين مؤقتا أحد الحكام بقرار للقيام بالوظائف المذكورة أو لإجراء البحث في قضايا معينة. وفي حال غياب صاحب الوظيفة أو عند تعذر الحضور عليه مؤقتا فإنه يعوض في القضايا المتأكدة بأحد قضاة المحكمة يعينه الرئيس.
غير ان الفصل 51 من مجلة الإجراءات الجزائية ينص على أن القضية تعهد « بصفة لا رجوع فيها لحاكم التحقيق بمقتضى قرار في إجراء البحث. ويلزمه تحقيق الأفعال المبينة به ولا يتولى بحث غيرها من الأفعال الجديدة التي أنتجتها عملية التحقيق إلا إذا كانت ظروفا مشددة للجريمة المحالة عليه».
وبناء عليه فقد تمسك لسان الدفاع بالمسالة الأولية وهي وجود قضية منشورة لدى المحكمة الإدارية ضد وزيرة العدل في تجاوز السلطة فمن المعلوم في هذا السياق ان وزارة العدل رفضت تطبيق قرارات المحكمة الإدارية الصادرة في حق 49 قاضيا والقاضية بتوقيف تنفيذ الأمر الصادر516 في 1 جوان 2022 والقاضي بإعفائهم وهو ما يعني رجوعهم إلى سابق أعمالهم ومراكزهم قبل الإعفاء . وهكذا فانه إذا ما ثبت تجاوز وزيرة العدل للسلطة بعدم إذعانها لقرار المحكمة الإدارية القاضي برجوع القضاة المعفيين والصادرة في حقهم قرارات توقيف التنفيذ الى سالف عملهم فان القاضي الأصلي المتعهد بقضية البحري والمشمول بقرار توقيف التنفيذ يعتبر قاضيا مباشرا وبذلك لا يجوز تغييره واستبداله باخر وإلا كان هذا التغيير مخالفا للفصل 51 المذكور وكانت كل أعماله معرضة للطعن بحسب ما ذهب اليه لسان الدفاع.
ولا ندري في الأخير السبب في هذا التضارب في الأقوال بين لسان الدفاع الذي يؤكد وقف النظر في قضية البحيري وبين الناطق الرسمي الذي ينفي ذلك ويؤكد ان قاضي التحقيق لم يتخذ قراره في المسالة المعروضة عليه.
الحق قديم
وفي كل الحالات فان قضية القضاة المعفيين ستظل وصمة عار في جبين وزارة العدل وفي وجه السلطة التنفيذية برمتها فإذا امتنعت الدولة عن الخضوع للقانون بتطبيق الأحكام الإدارية الصادرة ضد إحدى مؤسساتها أو الإدارات التابعة لها فاعلم أننا أمام حالة اغتصاب للقانون . فاستبداد السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ليس مجرد غصب للسلطة القضائية، بل هو غصب لكل قاعدة قانونية . فسيادة القانون تتجسد في خضوع الحكام والمحكومين للقانون .
ورقابة القضاء على تصرف الدولة هي الضمان لحقوق الإنسان وحرياته ضد تجاوز سلطة الدولة . غير انه من الواضح أننا نعيش في هذه الأوقات الحالكة خارج منطق دولة القانون وفي صلب دولة الإطلاق . كيف لا والدولة تضرب بالأحكام القاضية عرض الحائط وترتكب هي نفسها جرائم خطيرة من قبيل الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية في حين ينص الفصل 315 من المجلة الجزائية على انه « يعاقب بالسجن مدة خمسة عشر يوما وبخطية قدرها أربعة دنانير وثمانمائة مليم الأشخاص الذين لا يمتثلون لما أمرت به القوانين والقرارات الصادرة ممن له النظر » مع العلم ان محكمة التعقيب اعتبرت في القضية 7323 بتاريخ 24 نوفمبر 1982 ان الفصل 315 نص عام يشمل القرارات الإدارية والعدلية . كما ينص الفصل 2 من القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد والذي عرف الفساد ومن حالات الفساد تعطيل قرارات السلطة القضائية ؟
ستظل قضية القضاة المعفيين قائمة في ضمير كل طالب للعدل فالظلم لا يسقط بالزمن و « الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل » كما قال عمر بن الخطاب في رسالته الشهيرة حول القضاء.