ينعقد بداية من اليوم في مدينة صفاقس المؤتمر الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل وسط شرخ يهدد كيان المنظمة من الداخل ينعقد المؤتمر رغم المعارضة النقابية ورغم صدور حكم قضائي يلغي مقررات المجلس الوطني الداعي الى المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي بما يعني الغاء تحوير الفصل 20 من القانون الاساسي وهو التحوير الذي استندت اليه كل الترشحات الى عضوية المكتب التنفيذي.
هكذا وبناء على هذا التحوير ترشح الطبوبي مرة أخرى الى المكتب التنفيذي بعد قضائه دورتين في المكتب التنفيذي الأولى كأمين عام مساعد مكلف بالنظام الداخلي والثانية كأمين عام وسيكون الطبوبي بلا مفاجآت الأمين العام للاتحاد لدورة ثانية كما ترشح إلى عضوية المكتب من قضوا دورتين من أعضاء المكتب بخلاف ما كان يقرره الفصل العشرون من ان عضوية المكتب التنفيذي تنحصر في عهدتين لا أكثر .
وكما هو معهود فان المفاوضات جرت وسوف تجري من أجل وضع قائمة رسمية توضع آخر لمساتها في غرفة الأمين العام في النزل الذي يستضيف المؤتمر. وستظل الوفود رائحة غادية ليل نهار على الغرفة من اجل أن تخطب ود الأمين العام ورضاه في عملية لا صلة لها بالديمقراطية وإنما هي تكريس لكل آفات الزبونية وشراء الضمائر وإفساد الذمم . وستوزع القائمة الرسمية طبعا بعد أن توضع آخر لمساتها على كل المؤتمرين الذين لم يتعودوا في أغلبيتهم المطلقة عصيان أوامر القيادة الفاتقة الناطقة التي توزع الوعود على الإطارات المتلهفة على المسؤولية ومنهم إلى القواعد الحالمة بتحسين ظروف حياتها والتي ليس لها غير الاتحاد ملاذا ومنقذا وسط أزمة اقتصادية خانقة تهدد الأجراء والعمال قبل غيرهم …
هكذا تنشر المنظمة بين منخرطيها افسد السلوكات وأكثرها تخلفا وهي السلوكات التي تنعكس أثارها على جملة الحياة السياسية في البلاد برمتها نظرا لوزن الاتحاد وعدد منخرطيه الذي يقترب من 700 الف منخرط ..لن يكون هناك أي تزييف للنتائج او أي تلاعب بها .فلقد وقع التزييف بشكل » ديمقراطي » بواسطة الهياكل الخاضعة بالكلية للقيادة ورغباتها من المجلس الوطني الذي دعا بنسبة تشبه انتخابات بن على الى المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي الى المؤتمر الذي حور الفصل20 وسط رقصات أعضاء المكتب التنفيذي الحالي الذي ناب عليهم النقابيون المخلصون بعهدة أخرى.
التناقض الرئيسي
إن التناقض الرئيسي اليوم داخل الاتحاد وداخل الحركة النقابية عامة هو بين أنصار النهج البيروقراطي بممارساته التي وصفناها الجاثم على المنظمة النقابية منذ عقود وبين أنصار النهج الديمقراطي الذي يطمح إلى تحقيق تحول نوعي داخل المنظمة لفائدة العمال والشغالين. الطرف الأول، أي البيروقراطي، وظف شعار عدم التفريط في خبرات الاتحاد وكوادره لتأبيد سيطرته على مصير الاتحاد وهو ما يفسر تحوير الفصل 20 من القانون الأساسي.
اما الطرف فهو يجاهد منذ عقود من اجل تأسيس حياة ديمقراطية جديدة داخل الاتحاد، يكون من مبادئها التداول على المسؤولية النقابية لدرء هذه الوصولية والزبونية، وهو ما ينص عليه الفصل 20 الذي أقره مؤتمر جربة 2002 وثبّته مؤتمر المنستير 2006 ومن البديهي أن تركز الجدال اليوم حول الفصل 20 لا يعني أنه يمثل أو يختزل كافة جوانب الصراع بين النهجين المتضاربين داخل الاتحاد.
إن الطرف البيروقراطي ربط إلغاء الفصل 20 بجملة من الإجراءات الأخرى التي تهدف إلى تشديد قبضة البيروقراطية على الاتحاد حتى وإن تظاهر بالاستعداد للقيام ببعض الإصلاحات. أما الطرف الديمقراطي فهو يربط التمسك بذلك الفصل بجملة من الإجراءات التي تضفي على هيكلة المنظمة وعلى طرق تسييرها وأساليب اتخاذ القرار فيها طابعا ديمقراطيا. ولكن كما هو الحال في كل الصراعات فلا بدّ من أن تبرز مسألة من المسائل وتطغى على البقية وتتحوّل إلى عنوان للصراع بأسره.
وإن ما جعل الفصل 20 يكتسي كل هذه الأهمية ويصبح « مسألة المسائل » فلكونه يمسّ عصبا رئيسيا من أعصاب البيروقراطية النقابية، فإذا ما قطع، ماتت معه أعصابٌ أخرى وتوقفت عن الحياة. لذلك ليس من الغريب أن يتخذ الفصل 20 كل هذا البعد وتتكثف حوله الصراعات بين الخطين النقابيين المتناقضين في الاتحاد. إن الذين يريدون إلغاءه هم عامة أنصار البيروقراطية المتسلطة والذين يتمسكون به هم عامة أنصار الديمقراطية النقابية.
أما الخط الديمقراطي، فإنه يجعل من تحقيق الديمقراطية داخل الاتحاد وسيلة لتحقيق استقلاليته عبر إرجاع سلطة القرار فيه إلى أصحابها الشرعيين أي القواعد النقابية والعمالية وتحويله إلى إطار حقيقي للدفاع عن مصالح العمال والأجراء، لأن الاتحاد متى أصبح فعلا ديمقراطيا حرا، ومستقلا، ذاد عن تلك المصالح وقام بدور تقدمي داخل المجتمع ووقف إلى جانب الفئات الشعبية الأخرى ومطالبها المشروعة وإلى جانب الحريات والديمقراطية. لقد عرف الاتحاد في تاريخه الطويل منذ عام 1956، إرهاصات ومحاولات عديدة لتحريره من قبضة البيروقراطية. وقد أجهضت في كل مرة تلك الإرهاصات والمحاولات وفشلت في تحقيق التغيير المنشود، لا لقوة القمع الذي سلط على الحركة النقابية فحسب، ولكن أيضا لهشاشة حركات التغيير ذاتها …