لا شك ان هذا الاستفتاء الذي تعد له السلطة هو حلقة اخرى من حلقات الخرق الدستوري. فقد اجمع كل رجال القانون عدا المتحيزين للسلطة في مخالفة صريحة للعقل والمنطق والأخلاق انه لا سند له في صريح دستور 2014 أو حتى من خلال تأويله بشكل متوسع ومتسامح جدا مع منطوق النص . أما القول بان كل هذه المراسيم والأوامر التي تنزل علينا منذ 25 جويلية والمحصنة من الطعن امام أية جهة قضائية تستند الى حالة الاستثناء والى الفصل 80 من الدستور فهو عبث ولم يعد في حاجة إلى الرد. فقد اتسع الخرق على الراتق حتى أصبح الدستور خرقة بالية لم يبق منها غير الاسم نراه في اطّلاعات المراسيم والاوامر المتساقطة علينا كالبلاء المنزل في الهزيع الاخير من الليل الحالك والذي يزيد سوادا يوما بعد يوما ..
الاستفتاء ودستور 2014
نعم هذا الاستفتاء مخالف للدستور مخالفة صريحة فدستور 2014 لا يستبعد الاستفتاء بل يجعله طريقة من الطرق الديمقراطية في شكلها المباشر المعتمدة ولكنه يجعل من الاستفتاء نوعا من الفيتو الذي يمارسه رئيس الجمهورية ضد مجلس النواب في حالة مصادقته على مشروع قانون أساسي ( يصادق عليه بالأغلبية المطلقة أي 109 صوتا من 217 ) في ثلاث مواد بعينها متعلقة بالأحوال الشخصية أو المعاهدات الدولية أو الحقوق والحريات أو في حال مصادقته على تعديل الدستور بأغلبية الثلثين أي 145 صوتا عقب مراقبة المحكمة الدستورية لمشروع التعديل بشكل ما قبلي وما بعدي ..
و يتضح من دستور 2014 وهو يشبه في ذلك كثيرا من الدساتير المقارنة أن الاستفتاء يهدف في فلسفته العميقة لا إلى المصادقة على المشروع سواء كان مشروع قانون او مشروع تعديل للدستور بقدر ما يهدف الى نوع من الرقابة التي يجريها رئيس الجمهورية باعتباره الضامن لاحترام الدستور على مشروع قانون أو مشروع تعديل للدستور من اجل الاعتراض عليه أكثر من اعتماده Dévalidation اذ أن عرضه على الاستفتاء لا يكون إلا بعد مصادقة المجلس على مشروع القانون او مشروع تعديل الدستور و تكون الدعوة إلى الاستفتاء تخليا من رئيس الجمهورية على حق رد المشروع اذا كان يعني قانونا إلى المجلس.
ليس هناك إي استبعاد من دستور 2014 للديمقراطية المباشرة في حالات محددة غير أن كل الدساتير الديمقراطية تحيط الاستفتاء بضوابط دستورية فليس هناك أي استفتاء دون مراقبة من الدستور نفسه وإلا تحول إلى طريقة للتحيل على الشعب وأداة من أدوات الاستبداد بشعار حكم "الشعب لنفسه بنفسه" وواحدة من الطرق المعروفة للانقلاب على الدستور والقانون وتخريب عمل البرلمان.
هل اتسع الخرق على الراتق ..فمن الخارق ؟
إن ما نراه اليوم يكاد يجعل من الحديث عن القانون لغوا لا طائل من ورائه وفضلة قول لا تغني ولا تسمن.. ولكن ما حيلتنا ونحن لا نملك من واقعنا غير القول؟ نقول ونعيد حتى صار القول كندبة عجوز محترفة في جنازة وطن شهيد او كتأوهات الأفندية في رواية "السقا مات " . نعجز عن كل شيء حتى عن الاجتماع لنتساءل معا جميعا ودون إقصاء عما أوصلنا إلى هذه الحالة وعلى ما نحن فيه .تنزوي كل مجموعة في مربعها لتوزع التهم على البقية في حين يكاد البناء ينهار على رؤوسنا جميعا . يقول الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن ” أنه لو عرفنا أين نحن، وماذا جرى بنا، لعرفنا ماذا نفعل، وهل ما فعلناه كان كما يجب يكون ؟
ولكن أنّ لنا أن نسأل سؤال العقل وقد احترفنا الكراهية والشماتة والخصام ؟ . أخشى ان أسس التعايش بيننا قد ضربت في مقتل ، سنشقى في المستقبل ونحن نجهد أن نرمم الخراب ونعالج الداء وقد تمكن من العظم .كيف يمكن للحكومات و البرلمانات أن تعيدنا في المستقبل الى مجتمع الحق والقانون الذي كنا نتدرب على المشي فيه بصعوبة. ولكن بثبات ؟. ألا يكون الخرْق قد اتسع بعد على الراتق؟ رغم ذلك لن نفقد الأمل.