نشر موقع «العربي الجديد » يوم 26 نوفمبر 2021 مقالا بعنوان « هل البرلمان التونسي خطر داهم ؟ للنائب والاستاذ الجامعي سالم لبيض.
لا يعنينا كثيرا هنا تحليل موقفه في هذا المقال من انقلاب قيس سعيد على الدستور. لن نتساءل عن سكوته مدى أربعة أشهر ليتحدث الآن في ما يشبه عودة الوعي .فيرفض أخيرا وبعبارات حاسمة غلق البرلمان أو تجميده . لكأنه الذاهل عن الواقع أعماه مثل غيره كره الاسلاميين فاعتقد ان قيس سعيد سيخلص القوميين منهم ثم استفاق حين تفطن مثل غيره انه مجرد حلم تكشف عن كل السراب الذي يلفه لان الخراب سيطول الجميع ولان الأحزاب كلها ومؤسسات الدولة بأسرها أضحت في مرمى الانقلاب .
لن نتساءل عن مدى انسجام موقفه الجديد هذا مع موقف حزبه الذي ناصر ولا يزال يناصر قيس سعيد في كل ما يأتيه مناصرة عبر عنها هيكل المكي في إعلان حبه للرئيس بألفاظ قلما تأتي في قاموس السياسة العقلية إذ هي من معجم الغزل الملوكي الرخيص الذي امتلأت به مدحيات تاريخنا الطويل الزاخر بآيات التملق والرياء.
لا يعنينا هنا اذا كان موقف سالم لبيض الاخير صادقا ام هو مجرد قفز من المركب او ركوبا للموجة التي بدأت تسود الآن في رفض الوضع الذي تعيشه البلاد والذي قادها تدريجيا إلى انفراد بالسلطة قلما عرفته في تاريخها الطويل ..نريد في هذا الورقة ان نتوقف فقط عند بعض المعطيات التي ذكرها الأستاذ الجامعي قبل ان يكون نائبا. فهل كان حديثه عن الفصلين 32 و46 من دستور 1 جوان 1959 صحيحا ام انه سكت دهرا ونطق جهلا ؟
الجهل بالتاريخ
استعرض سالم لبيض بعض الأزمات التي مرت بها البلاد التونسية فأشار إلى المحاولة الانقلابية سنة 1962 والانتفاضة النقابية في جانفي 1978 و الاعتداء المسلح على قفصة سنة 1980 و انتفاضة الخبز سنة 1984 و هي كلها جدّت زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة و أشار الاستاذ ايضا الى الصدام العنيف للرئيس بن علي مع الإسلاميين سنة 1991 وانتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 والثورة التونسية 17 ديسمبر 2010/ جافي 2011 التي أنهت سلطته كما أشار أيضا الى العمليات الإرهابية المسلحة أثناء حكم الرئيس الباجي قائد السبسي التي استهدفت متحف باردو وسوسة وحافلة الأمن الرئاسي سنة 2015 وعملية بنقردان لبعث إمارة داعشية سنة 2016 التي تهدف « إلى تبديل هيئة الدولة وإسقاط النظام وحتى تفكيك الدولة لتحلّ محلها « الإمارة الإسلامية ».
بعد استعرض تلك الأزمات الخطيرة لاحظ سالم لبيض انه « لا أحد من الرؤساء المذكورين اعتبر تلك الأحداث بمثابة الأخطار الداهمة التي تستدعي تفعيل الدستور » فهل هذا صحيح ؟
يتجه في البداية التذكير بأنّ الخطر الداهم والتدابير الاستثنائية كانا موضوع الفصل 32 من دستور غرة جوان 1959 في صيغته الأولى ثم بعد تعديل الدستور اصبحا موضوع الفصل 46 منه و هذا الفصل فعّله الرئيس الحبيب بورقيبة لمواجهة الانتفاضة النقابية في بداية عام 1978 و أسّس عليه أمرين من ثلاثة أوامر كان أصدرها يوم 26 جانفي 1978 (1) ولم يؤد تفعيل بورقيبة للفصل 46 الذي على أساسه اتخذ جملة من التدابير إلى تعطيل عمل المجلس او حل الحكومة بل فعل الفصل بعد الاطلاع على راي الوزير الاول ورئيس مجلس الامة كما يقتضيه الفصل 46 وهذه الاوامر هي :
1- الأمر عدد 49 لسنة 1978 يعلن به حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية تفعيلا للفصل 46
2- الامر عدد 50 لسنة 1978 يتعلق بتنظيم حالة الطوارئ و أسّسه على الفصل 46 من الدستور.
3- الامر عدد 51 لسنة 1978 يمنع به المظاهرات و الجولان بتونس العاصمة و ضواحيها.
وكان قبل يوم من اصدار تلك الأوامر الثلاثة اصدر أمري تسخير (2) هما :
1- الأمر عدد 47 لسنة 1978 سخّر به بعض أعوان مؤسّسات قومية تابعة لوزارة الصناعة و المناجم و الطاقة مثل الشركة التونسية للكهرباء و الغاز و الشركة القومية لتوزيع البترول و الشركة التونسية لصناعة تكرير النفط و الشركة التونسية للحديد و الفولاذ و شركة اسمنت بنزرت و شركة اسمنت قابس و الشركة التونسية لصناعة الحليب.
2- الأمر عدد 48 لسنة 1978 سخّر به بعض اعوان الشركة القومية للسكك الحديدية التونسية و الشركة القومية للنقل و شركة تونس الجوية.
و لجأ الرئيس الحبيب بورقيبة الى الفصل 46 من الدستور لمواجهة انتفاضة الخبز في بداية سنة 1984 فأصدر يوم 3 جانفي من نفس السنة أمرين هما :
1- الأمر عدد 1 لسنة 1984 يعلن به حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية و اسّسه على الفصل 46 سالف الذكر وعلى الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ الذي بدوره كان مؤسّسا على الفصل 46 من الدستور.
2- الأمر عدد 2 لسنة 1984 يمنع به المظاهرات و الجولان بكامل تراب الجمهورية.
ويبدو ان الاستاذ غلبته حماسته لموقفه الجديد فكتب دون التثبت في ما يقول.. فهل يجوز لأستاذ جامعي وباحث قبل ان يكون نائبا ان يخطئ كرتين مرة حين يتكلم متأخرا ومرة اخرى حين يقع في أخطاء معرفية لا يسمح بها لمثله؟
هوامش
1- الرائد الرسمي عدد 7 المؤرخ في 24 و 26 جانفي 1978 ص 218 و 219.
2- نفس المرجع الأوّل ص 219 و 220.
3- الرائد الرسمي عدد 1 المؤرخ في 3 جانفي 1984 ص 2.