ذكرت مصادر قضائية امس الثلاثاء 23 اوت 2022 ان قرارا استعجاليا يحمل رقم 48690 صدر عن المحكمة الابتدائية بتونس »بإرجاع الطالب ( قاض معزول) الى مزاولة عمله كقاضي إلى حين البت في وضعيته المهنية من قبل المجلس الأعلى للقضاء و الإذن بالتنفيذ على المسودة «
ويبدو أن المحكمة بحسب ما نشره عدد من القضاة على صفحاتهم اعتبرت أن أمر الإعفاء الصادر عن رئيس الجمهورية هو من قبيل القرارات اللاغية والمعدومة والتي لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري نظرا لجسامة الإخلالات التي طالته ولا يمكن بالتالي أن يرتب عليه أي أثر قانوني، ولأجل ذلك يمكن لأي محكمة ولو غير مختصة وحتى خارج الآجال المعهودة أن تعاين معدوميته كما فعل القضاء العدلي الاستعجالي ومن ثمة حفظ الحق الذي هدده القرار المعدوم…
و في تفسير لسبب تعهد القضاء العدلي بقضية تبدو ظاهريا من اختصاصات القضاء الإداري يقول الأستاذ عبد الجواد الحرازي إن القرارات الإدارية المعدومة الأثر قانونا هي تلك التي تكون على درجة من الجسامة والفداحة في مخالفة القانون .. تجعلها .تفقد الإدارة امتيازات وصلاحيات السلطة العامة التي تهدف لخدمة الصالح العام …وتجعلها في منزلة الأفراد وتقاضى أمام القضاء العدلى …ولا يعتد بآجال الطعن في القرارات الإدارية…إذ يمكن للقاضي التصريح بمعدوميتها ولو خارج اجال التقاضي…
وجدير بالملاحظة أن عددا من أساتذة القانون العام والقضاة والمحامين أكدوا منذ صدور قرارات الإعفاء في حق 57 قاضيا على بطلانها ومعدوميتها وعدم أهليتها لترتيب أي أثر قانوني على وضعية القضاة المعفيين كالأستاذ ابراهيم البرتاجي استاذ القانون العام الذي كتب مقالا مطولا بعنوان » في القرار الاداري المعدوم » نشر بجريدة الشروق » في صلة بقرارات اعفاء 57 قاضيا من قبل رئيس الجمهورية يوم 1 جوان 2022.
ويرى الاستاذ البرتاجي في هذا المقال ان نظرية القرار المعدوم يمكن ان تدخل في تنافس مع نظرية اعمال السيادة التي طبقتها المحكمة الادارية مثلا في خصوص مرسوم المصادرة المؤرخ في 14 مارس 2011 . ومن المستقر ان أعمال السيادة لا تقبل الطعن بالإلغاء لكن اذا تبين ان العمل الصادر عن السلطة التنفيذية وان كان ينتمي إلى أعمال السيادة تتوفر فيه مواصفات القرار المعدوم فان القاضي يكون في هذه الحالة مدعوا إلى التصدي له بإقرار معدوميته بمعنى أن اعتبار القرار من أعمال السيادة لا يحول دون اعتبار معدوميته.
يذكر في هذا السياق ايضا ان مجموعة المحامين الذين نابوا القضاة المعفيين في الطعون المقدمة ضد امر إعفائهم لدى المحكمة الادارية قد استندوا هم ايضا في عرائضهم الى نظرية القرار المعدوم الا أن المحكمة الإدارية لم تأخذ بها وتسلط نظرها على الامر من حيث استناده إلى حجج وأسانيد واقعية تبرر عملية الاعفاء أي انها خاضت في أصل القرار دون التوقف عند نظرية المعدومية.
فهل سيفتح هذا القرار الاستعجالي غير المسبوق الباب أمام بقية القضاة للطعن في امر الإعفاء لدى القضاء العدلي بعد أن أنصفتهم المحكمة الإدارية من خلال قراراتها بتوقيف تنفيذ قرارات الاعفاء الصادرة ضدهم وطلب الحكم بمعدوميته ؟ وفي كل الحالات فان القرار الصادر عن إحدى الدوائر العدلية الصيفية برئيسة قاضية يعد انتصارا جديدا للقضاة المعفيين ويفتح الباب أمام مواجهة قضائية أخرى مع السلطة التنفيذية سواء تمثلت هذه السلطة في وزيرة العدل أو في رئيس الجمهورية نفسه الذي يرى البعض انه هو المسؤول أولا وأخيرا عن تنفيذ الأحكام لان كل الاحكام بجميع أصنافها تصدر باسم الشعب وتنفذ باسم رئيس الجمهورية وفق المبدأ الدستوري.