من يهن يسهل الهوان عليه
المتنبي
صرح وليد الحجام مستشار رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 9 سبتمبر 2021 الى وسيلتي اعلام أجنبيتين أن الدستور أصبح عائقا أساسيا ولم يستبعد امكانية تعليق العمل به ووضع نظام مؤقت للسلط و لم يستبعد رئيس الجمهورية هذه الفرضية اثناء استقباله يوم 14 سبتمبر 2021 لثلاثة اساتذة قانون حيث نفى عن الدستور المشروعية و قال إن التنظيم المؤقت للسلط موجود و لديه منه نصوص.. كان من بين الأساتذة المدعوين امين محفوظ والصادق بلعيد.
الرجلان اللذان مهدا للانقلاب وشاركا في صنعه
ان تعليق العمل بالدستور و وضع نظام مؤقت للسلط ليس له من معنى سوى انهاء العمل بالدستور و استبداله بالنظام المؤقت في انتظار اعلان رئيس الجمهورية لدستور جديد ذي توجه رئاسي حسب تصريح المستشار وليد الحجام.
الدعوة إلى إنهاء العمل بالدستور ليست جديدة فقد ظهرت منذ ميلاده دعوات الى تعديل دستور 2014 او الى القطع معه نهائيا و استبداله بدستور آخر رغم عدم استكمال ارساء المؤسسات المنصوص عليها به ، مثل السلطة المحلية و مثل المحكمة الدستورية التي اسند لها الدستور وظائف جوهرية تحول دون الاستبداد مثل البت في نزاعات الاختصاص بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة و مثل عزل رئيس الجمهورية اذا ثبت لها انه ارتكب خطأ جسيما للدستور و مثل النظر في دستورية مشاريع القوانين.
من بين من حكموا بالفشل على الدستور حكما باتا نذكر منهم على سبيل المثال امين محفوظ استاذ القانون الذي كان من بين الذين استقبلهم رئيس الجمهورية يوم 14 سبتمبر 2021 و هو لا يخفي عداءه للدستور فقد اصدر عليه حكما بالإعدام و دعا الى القطع نهائيا معه أثناء حوار أجرته معه إذاعة » موزاييك آف آم » حيث قال » انتهى هذا الدستور» و اعتبر التدابير الاستثنائية التي اعلن عنها قيس سعيد يوم 25 جويلية فرصة ذهبية لإنهاء العمل به ولإصدار نصّ تنظيم مؤقت للسلطة و تقديم مشروع دستور جديد واستشهد بإنهاء العمل في فرنسا بدستور الجمهورية الرابعة و ذكر أن « دي غول » عندما قطع مع دستور 1946 أتى بلجنة من الخبراء وكلفها بإعداد نص جديد وهو في كل ذلك محرف للواقع فما فعله ديغول لا صله له بما يقوله محفوظ وقد كنا رددنا عليه في مقال مطول لكشف مغالطاته ( انظر مقالنا « هكذا يعدلون دساتيرهم وهكذا نعدل دستورنا : الحقيقة المرة بقلم عبد السلام الككلي وعلي الجوابي » اسطرلاب 23 سبتمبر 2021).
كان الصادق بلعيد و امين محفوظ ايضا من مهندسي الالتجاء الى الفصل 80 بل كانا داعمين له فقد كان قيس سعيد يتحدث باستمرار منذ البداية عن الصواريخ الموضوعة على منصاتها وهو بلا شك كان يشير الى التدابير الاستثنائية كما كان محفوظ يشير في كثير من تدويناته التي لم تفهم الا بعد 25 جويلية الى السلاح الاخطر في يد رئيس الجمهورية فقد كتب يوم 22 أفريل 2021.
الحكمة أفضل من التهور
هل يدرك من يريد الدخول في معارك خاسرة مع رئيس الدولة أن هذا الأخير لم يستعمل بعد السلاح الدستوري الأخطر على الإطلاق ؟
كان هذا قبل استعمال السلاح او الصاروخ المدمر بلغة قيس سعيد اما بعد استعماله فقد سخرا كل جهدهما لتبرير الانقلاب على الفصل 80.
فقد صرّح بلعيد لإذاعة « موزاييك » ان الرئيس خرج في مبادراته( اعتماد الفصل 80)عن مظلّة الدستور وبإمكانه ان يستند على المشروعية الشعبية غير انّه لم يعط تعريفا لهذه المشروعية التي يفضّلها على الدستور و هي حسب تعبيره أقوى منه و أصلح فكل خروج الى الشارع من مجموعات غير معلومة العدد ولا التوجهات ولا المطالب الدقيقة تعطي في منظوره مشروعية يمكن الاحتكام اليها لإنهاء العمل بالدستور… فما الفائدة اذن من سن الدساتير؟
وقال محفوظ لإذاعة « موزاييك آف آم » ايضا وجدنا الحل في الفصل 80 وأضاف انه من دعاة تطبيقه وانه يلزمنا الخروج من هذا الدستور.. فهو يعتبره السبب الرئيس في تردّي الأزمات فبسببه أصبحت الدولة مهدّدة و غير قادرة على إدارة الأزمات فالنظام السياسي الذي جاء به هذا الدستور لا يسمح للدولة بإدارة الازمات و بمحاولة إيجاد الحلول لها وهو على شاكلة الصغير الزكراوي يستدلّ بجائحة كورونا و بتصرّف الدولة حيالها قبل يوم 25 جويلية و بعده ليثبت الفرق في نجاعة الأداء بعد 25 جويلية و يستخلص من ذلك توفر الفرصة الذهبية لإنهاء العمل بهذا الدستور الذي من عيوبه انه نص هجين واستخلص ايضا ان الحل هو اصدار نص تنظيم مؤقت للسلط يقع فيه حلّ العديد المؤسسات منها البرلمان و تقديم مشروع دستور جديد يؤسس لدولة القانون ..وتبدو أقوال محفوظ عير دقيقة ومتحيزة وهي تحتاج إلى بعض التوضيحات.
هكذا يقول محفوظ الفكرة و نقيضها فمن جهة يرى ان الحل وجد في الفصل 80 من الدستور لمواجهة الخطر الداهم و معنى هذا القول ان دستور جانفي 2014 يسمح للدولة بإدارة الازمات لكن سرعان ما يعبّرعن نقيض هذه الفكرة بالقول ان هذا الدستور لا يسمح للدولة بإدارة الأزمات.
كان الأستاذان على علم بشروط استعمال هذا الفصل ومن ضمنها وجود محكمة دستورية غير ان هذا الشرط لم يكن يعنيهما كثيرا كما لم يكن يعنيهما كثيرا الحدود التي يضعها الفصل لاعتماده من قبل رئيس الجمهورية ومنها انه محدد في الزمن و أن البرلمان يظل في حالة انعقاد دائم وان الحكومة تظل قائمة إذ يمنع على البرلمان تقديم لائحة لوم ضدها ..فهما يقرآن النصوص بحسب ما يريدان منها لا بحسب ما تقوله بصريح العبارة التي لا تحتاج إلى أي تأويل.
كان الرجلان يخرجان تماما من جبة رجل القانون ليلبسا ثوب المعارض الصريح لدستور 2014 حقا وباطلا.. كانا في الواقع يشتغلان متعاونين من اجل التمهيد للانقلاب القادم في 25 جويلية ثم الدعاية له ونصرته بعد 25 جويلية.
الرجلان اللذان ساهما في الانقلاب على الانقلاب
تمّ بالمرسوم عدد 30 لسنة 2022 إحداث «الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة » و اسند لها الفصل 2 من نفس المرسوم ان تتولّى بطلب من رئيس الجمهورية « تقديم اقتراح يتعلق بإعداد مشروع دستور لجمهورية جديدة ويقدم هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية و اوجب عليها ان تحترم في عملها جملة من المبادئ و الأهداف من بينها تلك المنصوص عليها بالفصل 22 من الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية.
وقد أصدره قيس سعيد رئيس الجمهورية في اطار التدابير الاستثنائية التي كان اعلن عنها مساء يوم 25 جويلية 2021 على معنى الفصل 80 من الدستور وهو يتضمّن احكاما مخالفة للدستور الحالي فقد جمع فيه رئيس الجمهورية في شخصه السلطات التأسيسية و التشريعية و الترتيبية . و حسب صريح نصّه يلغى هذا الأمر احكام الدستور المخالفة له فهو اذن نصّ تأسيسي. وهو بمثابة تنظيم مؤقت للبلاد التونسية مرتبته في سلّم النصوص القانونية أعلى من الدستور و إذن أعلى من المراسيم التي هي ذات صبغة تشريعية بمعنى انه يجب على المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المذكور أعلاه احترام احكام الأمر عدد 117 لسنة 2021 لاسيّما و انه احال عليه و خاصة على الفصل 22 منه.
موضوع هذا المرسوم هو اعداد مشروع دستور جديد بما يعني بعد المصادقة عليه في الاستفتاء المقرّر ليوم 25 جويلية 2021 انهاء العمل بالدستور الحالي بينما لا يتحدّث الفصل 22 من الامر عدد 117 عن اعداد دستور جديد، بل يتحدّث عن مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي بما يعني ابقاء العمل بالدستور الحالي و الاقتصار على تعديل بعض احكامه و الابقاء على مبدأ الفصل بين السلط.
تبيّن الفقرة الأولى من الفصل 22 من الأمر عدد 117 لسنة 2021 أنّ رئيس الجمهورية يتولّى إعداد مشاريع التعديلات بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي و تبيّن الفقرة الثانية من هذا الفصل هدف تلك التعديلات فهي ترمي حسب نصه الى التأسيس لنظام ديمقراطي « يقوم على أساس الفصل بين السلط والتوازن الفعلي بينها ويكرس دولة القانون ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية …. » وجاء في آخر هذه الفقرة ان رئيس الجمهورية يعرض تلك التعديلات على الاستفتاء للمصادقة عليها.
التعديلات جمع لمفردة التعديل و تعديل النص القانوني لا يعني انهاء العمل به و استبداله بنص جديد و إنّما مدلول تعديل النص القانوني هو بالأساس الإبقاء على هذا النص و ادخال تغييرات عليه تتمثّل إمّا في حذف فصل او فصول منه و إمّا في اضافة فصل او فصول له و إمّا في حذف فقرة او فقرات من فصل او من عدّة فصول وإمّا في اضافة فقرة او فقرات لفصل او لعدّة فصول و إمّا في تغيير مضمون فصل او عدّة فصول و على هذا الأساس فإنّ الفصل 22 من الأمر عدد 117 لسنة 2021 لا يدلّ بتاتا على انهاء العمل بالدستور الحالي و استبداله بدستور جديد و إنّما مدلوله هو بالأساس الابقاء على الدستور الحالي و احداث تعديل عليه يتولى رئيس الجمهورية اعدداه مستعينا في الغرض بلجنة.
» إنما العاجز من لا يستبد »
هكذا يكون المرسوم عدد 30 لسنة 2022 مخالفا لصريح الفصل 22 من الأمر عدد 117 لسنة 2022 . لذا فإن ما قامت به لجنة الصادق بلعيد و أمين محفوظ باطل بطلانا مطلقا و ان الاستفتاء المقرّر ليوم 25 جويلية 2022 هو أيضا باطل بطلانا مطلقا مادام يعرض على الناخبين مشروع دستور جديد و لا يعرض عليهم تعديلات لفصل او لبعض فصول الدستور الحالي …و خلاصة القول أننا منذ 25 جويلية 2021 نعيش فوضى دستورية و قانونية فحتى النصوص الصادرة بعنوان « تدابير استثنائية » لا تحترم أحكامها بل يناقض بعضها بعضا ويكذب الواحد منها الأخر كما بينا …ولا شك ان الصادق بلعيد وأمين محفوظ كانا مشاركين مشاركة فعالة في هذه الفوضى وداعمين لها.
هل يحق لهذين الرجلين اللذين فعلا كل شيء من اجل صنع الاستبداد ثم إسناده بفتاوى قانونية ما انزل الله بها من سلطان ان يخرجا علينا اليوم محذرين من قيس سعيد باعتباره هو الخطر الداهم ؟. هل نستمع إليهما بعد تلاعب قيس سعيد بهما وبأعمال «الهيئة الاستشارية » التي القى بدستورها في سلة المهملات ليكتب دستورا وحده ولنفسه قصد الحكم بلا حسيب ولا رقيب ولمدة لا يعلمها الا الله ، اذ منح « الدستور الجديد » لرئيس الجمهورية الحق في البقاء في السلطة خارج أي مدد دستورية اذا كان وضع البلاد يستحق بقاءه؟
أخيرا إن وضع هذين الرجلين كوضع من أشعل نارا ثم جاء يحذر الناس من الحريق.
يا سيد محفوظ هل كنت تعلم حين كتبت ما كتبت أن السلاح الأخطر في يد قيس سعيد هو قيس سعيد ذاته ؟يحكم وحده و يحتقرك أنت وأمثالك .. يستعمل الجميع ثم يكون مصيرهم كمصيرك آنت وصديقك الصادق بلعيد ولسان حاله يقول مثل سلاطين الماضي » إنما العاجز من لا يستبد «فهنيئا لكما بسلاح قيس سعيد الاخطر الذي بشر به محفوظ يوم 22 أفريل 2021 اي ثلاثة اشهر قبل 25 جويلية وصواريخ الرئيس التي انطلقت من منصاتها لتصيب تونس في مقتل …فانظرا الآن ما مسؤوليتكما في كل هذا.. إذا بقي فيكما بقية من عقل أو ضمير؟