تصرف نادية عكاشة وهجومها على حلفاء الأمس واتهامهم بغياب الدين والأخلاق والوطنية سلوك يتجاوز شخصها وخصومها وانتشار اقوالها على نطاق واسع واجتهاد البعض في تفسير مدوتنها وقد اختارت الكلام بعد صمت ليس بالقصير وربط كل ذلك بصراعات القصر وتدخل العائلات والجهات والاجهزة والسفارات في حمى الحرب الدائرة كل ذلك يتجاوزها . فحتى لو كان الأمر يعني غيرها وغير خصمها الذي أشارت اليه بأسلوب لا يحتمل التأويل بتحويل بعض من اسمه إلى شتيمة فإذا هو لا « شرف » ولا « دين » لكان الأمر سواء لان نظام الاستبداد وهو نظام خارج المراقبة المؤسسية والمجتمعية يتغذى دائما من صراعات الشقوق والعائلات والأشخاص. فالدائرون في فلك المستبد يحاول كل واحد منهم استمالته لنفسه خدمة لمصالحه وحفاظا عليها.
المسالة خلافا لما يظنه البعض لا تتعلق بالأشخاص، بل بالميكانيزم نفسه الذي يشتغل دائما بنفس الطريقة وينتج نفس النتائج.
ما قالته نادية عكاشة ليس غير بعض من تونس المريضة مرضا قديما جدا لأنه مرض يشبه حد التطابق مرض كل أنظمة الاستبداد …. جهاز نرثه جيلا بعد جيلا حتى بعد ان أوهمتنا الثورة بأننا صائرون الى التخلص منه . ميراث بغيض لا غبار عليه. يحدث هذا عندما يتحكم الفرد في أجهزة الدولة بلا رقيب ويفتح الباب على مصراعيه أمام الراغبين من كل حدب وصوب يتوافدون عليه فاغري الأفواه..يجيئون أو يجلبون لا بمنطق الولاء للوطن والدولة، بل بمنطق الولاء للحاكم طمعا في الانتفاع منه ثم يتقاتلون عندما تتفرق مصالحهم شتى ويستعصي عليهم ان يقتسموا فتات ما يصل إليهم منه.
تلك بنية الاستبداد الذي ولد مع بورقيبة ولم يضف إليها زين العابدين بن علي شيئا على مستوى النوع أما الدرجة فمسالة لا تهم البنية . إذن وللأمانة لم يمت فينا ذاك التراث البغيض . هاهو يعود في ثوب أخر حاول البعض رتقه وتجميله، ولكنه يبقى رغم ذلك من الفريب السياسي ثوبا مستهلكا قديما عليه بصمات ورثت منطق الاستبداد والقائد الأوحد الذي يستعمل كل شيء للإيهام بانه المنقذ المخلص وإذا أعيته الحيلة وجه نباله الى خصومه سبا وشتما غير ان حجم تلك الشتيمة للخصوم السياسيين هو اليوم اضعاف ما نطق به بورقيبة وبن علي .. منطق الشتيمة يتقاسمه ايضا الخصوم الذين كانوا حلفاء الامس . يفرز النظام من بطانته الطامعة موالين يصيرون اعداء بعضهم لبعض لان الطمع لا يمكن ان ينتج غير الفساد والتناحر.
في هذا الجو المسموم الذي تصنع فيه السياسية في الغرف المظلمة أو لا أحد يدري كيف تصنع ولا حيث تصنع وتغيب فيه أجهزة الرقابة ويدجن فيه الإعلام وينتشر فيه الخوف ، يعم منطق الرياء ويسود مناخ الفضائح على نطاق واسع مع عنصر جديد لم نعهده في الماضي وهو دخول الوسائط الاجتماعية وعلى رأسها الفيسبوك إلى سوق عكاظ ..تتبارى اليوم الصفحات في جوفه النتن على نقل أخبار المجاري والبالوعات ولا يسلم منها لا رئيس ولا وزير ولا مسؤول …لا امرأة ولا رجل .
ينتصر القائمون على تلك الصفحات أحيانا للحاكم وأعوانه وقد ينتقلون وقد كثر عددهم إلى معاركهم الداخلية القذرة فتنتشر اخبار المسؤولين السياسيين الذين كانوا يدافعون عنهم محلاة بأخبار غرف النوم وفضائح الجنس كل ذلك على مرأى ومسمع من القضاء و خاصة أجهزة الأمن التي قد تكون طرفا فيها كما يزعم البعض .. ولا يغرنك أن يفتح تحقيق هنا وهناك يسفر عن غلق ماخور لان عشرات المواخير ستشتعل بعد ذلك ..تلك فاتورة منطق العبث بالقانون وانعدام الدولة واستشراء صراع الشقوق والأشخاص والجهات مع روائح الاستخبارات و السفارات تنعقد لتنحل وتنحل لتنعقد .. ليس ما قالته نادية عكاشة الا بعضا من ذلك.. غير ان الشجرة تخفي عن الأبصار الساذجة الضعيفة الغابة بأسرها وقد عجت بوحوشها وزواحفها ..