نحن الذين ضيّعنا الشّاعر حين مشينا وراءه فقال لنا: وأنت تعدّ فطور الصّباح .. فكر بغيرك.. فصدّقناه.. ها نحن نفكّر ونتذكّر ونتلو وصيتنا الأخيرة: لا تنسوا الجرح المفتوح .. احترموا الحزن الغائر الذي يحفر في قاع الذّات الجماعيّة.. بعيدا..
وأنتم تحتفون ببقائكم وترسمون أفقا أوسع للسّلطة وتتلمّسون موقعا داخل مربّع النّفوذ الذي لا يزال تحت هيمنة قوى النّفوذ القديمة لا تنسوا لم أنتم هنا؟ ومن جعلكم هنا؟ ولا تكتفوا بتعليق صورهم على لافتات منصّتكم.. لا تحولوهم إلى يافطات للتّزيين…. نريد محاسبة قتلتهم.. هؤلاء الذين كانوا جسرا عبرتم فوقه نحو السّلطة.. مبتهجين ثمّ مرتبكين ثمّ مهادنين..
قد يصيب الغرور بعضكم وينسى أنّه كان على قاب قوسين أن يكون شهيدا..
نحن الذين نضيق بالأحزاب وتضيق بنا الأحزاب فنكتفي بالفرجة ويأخذنا الاستعراض المشهدي إلى صور غير مألوفة لحزب جديد تربّص على أيدي أحزاب غربيّة فتربّى وتشرّب ثقافة العولمة ولبس قشرة الحداثة وأوهم بالتخلّص من روحه الإسلاميّة فأجاد التسويق والعرض والحشد واستجابت له حاضنته الاجتماعيّة التي تبحث عن ضمانات لبقائها قريبة من مواطن النفوذ بعد أن كانت مهدّدة في الوجود واستطاع أن يجعل من نفسه مدار اهتمام الجميع داخلا وخارجا شمالا وجنوبا يمينا ويسارا..
نحن الذين نفكّر لا نريد منكم سوى الآتي: أن تحتملوا وجودنا المختلف فنحن الذّين دافعنا عن حقّكم في الوجود في الوطن حين كان الكثير من أعدائكم يطالب بإرجاعكم من حيث جئتم سنظلّ ندافع عن حقّ الجميع في الوجود وسندافع عن المختلف عنكم من تعصّب واستعلاء البعض منكم ومن توهّم القوّة وسرعة الغرور وامتلاك الحقيقة لدى البعض ( بعض الكتابات والتعاليق تكشف ذلك ) يقودنا فقط إيماننا بالمعاني والقيم الكبرى .. وسنرفع الصّوت عاليا حين يتعلّق الأمر بالفساد وبالاستبداد، أعداؤنا الحقيقيين لأنّنا لسنا من هواة المعارك الوهميّة، وسنندّد بمهادنتكم لمنظومة الفساد إن لم تستكمل الهيئات مهامها بسبب توافقكم الذّي لا ندرك مآله الذي سينتهي إليه.. كالنّهر الذّي يجري على غير هدى..
ونحن الذّين تضيق أنفسنا بالإيديولوجيات التقليديّة المحنّطة وتضيق بنا على اليمين وعلى اليسار ونؤمن بأنّ الإيديولوجيّات إنّما وضعت في الأصل لسعادة الإنسان وإن لم تفعل فلا جدوى منها ولذلك لا تعنينا الإيديولوجيا سواء كانت يمينا أو يسارا إلّا بقدر ما تستطيعه من تحقيق للحدّ الأدنى من السّعادة للإنسان لا نريد منكم سوى الآتي: أن تحترموا حلم الذين انتفضوا يوما يطالبون بتغيير حقيقيّ في توزيع الثّروة والسّلطة.. وأولئك الآلاف الذين ينتظرون شغلا وحياة تليق بالحياة..
وأن تحترموا مطالبنا البسيطة: مدارس ومعاهد وجامعات متطورة لأبنائنا، مستشفيات تليق بالإنسان، ثقافة تحترم الإنسان ولا تحتكر ولا تقصي أحدا، إعلام غير إعلام الصّفاقة والابتذال والإسفاف.. شغل يجعل شبابنا لا يسرع إلى مقبرة المتوسط..
نريد ثورة حقيقيّة جديدة في التّعليم وفي الصحّة وفي الثّقافة وفي الإعلام..
وأيضا: أرصفة مرصّفة وطرقات غير محفّرة ووسائل نقل غير صفراء.. لأنّ الأصفر لون الموت وجعلوه للبائسين في هذا الوطن.
هذا الحدّ بيننا وبينكم.. دون ذلك سنعتبركم مجرّد دكّان جديد تطوّر فأصبح فضاء تجاري كبير يستجيب لشروط السوق الجديدة.. من أجل مناطق نفوذ أوسع في السّلطة ..
أو ستصبحون في نظرنا الذّئب الذّي خدع ليلى فأوهمها بأنّه جدّتها الحنون لتجده ليلى بأنف أطول وأذنين أعرض وفم بأنياب حادّة قبل أن ينقضّ عليها لأكلها وليس من حلّ آنذاك سوى البحث عن الحطّاب..
تعرفون نهاية الحكاية..