إلى الصّديقة مريم تنغور.. مع المودّة

Photo

سمعت صرختك وسأدافع عن حقّك في التّعبير رغم الاختلاف بيننا ورغم انتمائي إلى الجريدة التي نشرت المقال الذّي ينقد نظرتك إلى الدّين وموقفك من صلاة العيد التي تزعجك وتجدينها مملّة في ترديدها: اللّه أكبر وللّه الحمد. سأدافع عنك لأنّنا في الجريدة لسنا أتباعا ولا قطيعا بل نعيش الاختلاف الجميل والتّشارك المتنوّع ولا أحد يتبع أحد ولا أحد يدين بالولاء لأحد ولا أحد يقبض أجرا من أحد. وسأدافع عنك لأنّي أجد ما قلته لا يشكّل تهديدا لي ولا لديني أنا التي تملأ نفسها السّكينة مع كلّ آذان فجر فينطلق لسانها بالدّعاء لمن تحب والتي تسرع عند الغروب إلى السّطح لتشاهد اشتعال المآذن البعيدة المحيطة بالبيت وللاستماع إلى تناديها بالآذان في أنغام متنوعة ونبرات مختلفة بعضها محبّب إلى النّفس وبعضها نشاز منفّر ولكن في الخضمّ تشعر أنّها تصوغ سمفونيّة وجودنا المشترك في جماله وقبحه.

سأدافع عن حقّك في التّعبير الذّي كفله الدّستور وليس من حقّ أيّ كان أن يجرّمك أو يهدّدك أو يشتمك أو يمسّ شعرة منك..

ولكن يا مريم، وأنت تمارسين حقّك المطلق في التّعبير دون أيّ اعتبار لأيّ كان ودون احترام للمشترك وللتّعايش كما نريده في تنوّعه ألا تشعرين بأنّك تشعلين الحريق؟ حريقا هائلا سيمتدّ في القلوب فيأتي على الأخضر واليابس وقد يحوّل الحرب الكلاميّة حتّى الآن إلى حرب أهليّة سببها تطرّفك الأعمى والتطرّف المقابل الأعمى.. وبين تطرّف وتطرّف مضاد اشتعلت حروب لم يستفق منها أهلها إلّا حين تحوّلت المدن إلى مدن رماد؟ وأنت تنعتين الإسلاميين ب " الخوانجيّة " ( نعلم أنّ بن علي وآلته البوليسيّة هو من أطلق هذا النّعت على الإسلاميين وأنت تكتفين بالتّرديد )، وأنت تسخرين من صلاة العيد يوم العيد وتتهكّمين من حمد المسلمين اللّه ألا تشعرين أنّك تشعلين الحريق بما تشيعين من كراهية وتروّجين من أباطيل وبما تستفزّين من مشاعر؟ ؟

قرأت حديثك عن الصّفحات المأجورة فضحكت. فهي من التّهم الجاهزة التي يمكن أن أوجّهها لك أيضا ولكلّ من يختلف معي. قرأت استنجادك بأصدقائك " ضدّ الحملة الإخوانيّة الشّرسة " في مغالطة كبرى ذلك أنّ كاتب المقال ليس " إخوانيّا " بل هو يساريّ قديم فضله وفضل غيره من اليساريين المميّزين أنّهم قاموا بمراجعات عميقة في نظرتهم للحياة وللدّين ورفضوا عبادة النّصوص الجاهزة والأفكار المقولبة والآراء المحنّطة وأدركوا أنّ الأصوليّة الدّينيّة ليست سوى نتاجا لأصوليّة أشدّ تطرّفا وأعمق سلفيّة هي الأصوليّة الحداثيّة والسّلفيّة اليساريّة التي آن الأوان كي تمارس نقدها الجذريّ وهو نقد مارسه الغرب الذّي يسبق الآن تفكيرك العدائي للدّين بسنوات ضوئيّة..

وأنا أرى أصدقاءك " الحداثيين " و " اليساريين " يسرعون إلى نجدتك تذكّرت القبيلة العربيّة وهي تنصر أبناءها ظالمين أو مظلومين. رأيتهم يمسكون السّيوف ويشحذون الرّماح ويرفعون الأسنّة ويعلّقون منتصرين لك بروح العصبيّة القبليّة فنحن لم نغادر منطق القبيلة بعد فقط تحوّلنا إلى قبائل سياسيّة برداء حداثيّ قليلا ولكنّ الرّوح جاهليّة فهي سريعة الحميّة سريعة الغضب يغيب فيها التعقّل ويطغى الانفعال وهي أقرب إلى قطع الرّؤوس منها إلى المحاورة والجدل وأقرب إلى سفح الدّماء منها إلى مناقشة الأفكار..

وأنا أقرأ حديثك عن لهجة التسلّط في خطاب الأيمّة تذكّرت ذلك القسيس الذي جلست هذا الشّتاء عمدا للاستماع إلى خطابه في كنيسة نوتردام في باريس وتذكّرت لهجته التي لا تخلو من تسلّط وأيضا حرصه وهو يشقّ صفوف الزّائرين على التّمايز عنهم بإرسال من يفسح له الطّريق قبل المرور .. فكان أن وقفنا زوارا مختلفين من تونس والصّين وأمريكا وغيرها من بلدان العالم صامتين ومرّ دون أيّ التفاتة أو حتى سلام حفاظا على قداسته..أليس هؤلاء مثلك الأعلى؟

سأدافع عنك مريم ضدّ كلّ من يتجاوز حدود اللياقة في نقدك فأنت امرأة وأيضا لأني قرأت المعرّي والجاحظ وابن رشد والهمذاني والمعتزلة وغيرهم وأعلم أنّ الخوض الجريء في أمور الدّين يدخل في ثقافتنا وحضارتنا العريقة زمن ازدهارها وامتدادها في العالم لذلك أقبل حديثك عن التصنّع والتّظاهر في التديّن فأنت تذكّرينني بنصّ بديع في مقامات بديع الزّمان في نقد أحد الأيمّة وهم ليسوا فوق النّقد لكنّي أرفض بقوّة حقدك الأسود على من يختلف معك وطريقتك المسمومة في تشويه الإسلاميين بتعمّد الخلط بينهم وبين الدّواعش والإرهابيين وهو منطق سنظلّ نقاومه لأنّه الفتيل الذّي سيلهب النّار يوما وأنت من بين من يتعمّدون إشعاله.

سأدافع عنك لأني أومن بأنّ جوهر الحداثة ليس تظاهرا مزيّفا بعداء الدّين لادّعاء التقدّم المغلوط بل هي في جوهرها دفاع عن حقّك وحقّي في أن نعبّر بحريّة عن أفكارنا المختلفة المتباينة دون أن نخشى السّيف ودون أن تهبّ القبائل لنصرتنا فالأمر يتعلّق بمناقشة أفكار من أجل صياغة وجود مشترك مختلف في آن نتعايش فيه معا فهل أنت قادرة على تحمّل " ضجيج " المصلّين و " صخب " المؤذّنين كما تتحمّلين ضجيج السيّارات وصخب البشر في وجودنا الصّاخب حتما؟

أمّا أنا فأوّل ما افتقده وأنا أسافر حين أسمع أجراس الكنائس فهو أصوات المؤذّنين رغم التّمايز الجماليّ بينهم ورغم رجائي أن يتمّ تجويد الخطاب الدّيني وما يتعلّق به من طقوس وشعائر..
وقبل.. إذا كنت ستوظّفين سياسيّا ما قلت إنّه تهديد لك ولحقّك في التّعبير فأعلمك أنّها معركة خاسرة وأنّه توظيف سيّئ.. كلّ معركة تقوم على وهم هي خاسرة.. لنلتفت إلى معاركنا الحقيقيّة..
وبعد..

أنا وأنت نساء والمرأة ماء فإن لم تكوني ماء ولم أكن ماء فمن سيطفئ الحريق؟

Commentaires - تعليقات
Chiheb Boughedir
07/09/2016 23:26
Merci, Leila, ce texte correspond exactement aux idéaux des « semeurs » et affirme avec force et lucidité nos convictions de démocrates nullement asservis aux querelles idéologiques anachroniques et désuètes. les silences lâches et coupables ont engendré tous les fascismes. Des millions de personnes ont été incarcérées, torturées, avilies, violentées exterminées à cause de ces silences lâches et complices...C'est pourquoi, la haine de l'autre doit susciter notre mépris et notre aversion. C’est Voltaire qui signait ses textes "ECR.L'INF" (Écrasons l'infâme)...Il n'avait pas tout à fait tort! Supposer ou imaginer que je sois indulgent envers toute pensée sectaire et franchement, ouvertement, fasciste...est une erreur